للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُطلى به جلود أهل النار، حتى يكون طلاؤه لهم كالقميص، ليجتمع عليهم لذغ القطران ووحشة لونه ونتن ريحه، مع إسراع النار في جلودهم. على أنَّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. هـ.

وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ، أي: تكسوها وتأكلها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق، ولم يخضعوا بها إلى الخالق، كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة من المعرفة والنور، مملوءة بالجهالات والظلمة. ونظيره قوله:

أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ «١» ، وقوله تعالى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ «٢» .

فعل ذلك بهم لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ من الإجرام، أو ما كسبت مطلقاً لأنه إذا بيَّن أن المجرمين معاقبون لأجرامهم علم أن المطيعين يُثابون لطاعتهم. ويتعين ذلك إذا علق اللام ببرزوا. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ، فيحاسب الناس في ساعة واحدة لأنه لا يشغله حساب عن حساب، فكل شخص يظهر له أنه واقف بين يديه، يُحاسب في وقتِ حسابِ الآخر لأن ذلك وقت خرق العوائد.

هذا القرآن، أو ما فيه من الوعظ والتذكير، أو ما وصفه من قوله: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا ... «٣» إلخ، بَلاغٌ لِلنَّاسِ أي: كفاية لهم عن غيره في الوعظ وبيان الأحكام، يقال: أعطيته من المال ما فيه بلاغ له، أي:

كفاية. أو بلاغ أي: تبليغ لهم، كقوله: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ «٤» ، وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ»

، وقوله: وَلِيُنْذَرُوا بِهِ: عطف على محذوف، أي: ليُنصحوا به، ولينذروا به، أو متعلق بمحذوف، أي: ولينذروا به أنزلناه، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ بالنظر والتأمل فيما فيه من الآيات الدالة على وحدانيته تعالى، أو المنبهة على ما يدل عليه. وَلِيَذَّكَّرَ أي: ليتعظ به أُولُوا الْأَلْبابِ أي: القلوب الصافية بالتدبر في أسرار معانيه وعجائب علومه وحكمه، فيرتدعوا عما يُرديهم، ويتذرعوا بما يحظيهم. واعلم أنه سبحانه ذكر لهذا البلاغ ثلاث فوائد، هي الغاية والحكمة في إنزال الكتاب: تكميل الرسل للناس، واستكمالهم القوة النظرية التي منتهى كمالها التوحيد، وإصلاح القوة العملية التي هي التدرع بكمال التقوى. جعلنا الله من الفائزين بغايتها. قال معناه البيضاوي.

الإشارة: قد مكر أهلُ الغفلة بالأولياء، قديماً وحديثاً، واحتالوا على إطفاء نورهم، فأبى الله إلا نصرهم وعزهم (إن الله عزيز ذو انتقام) فينتقم لهم وينصرهم. ووقت نصرهم هو حين يتحقق فناؤهم عن الرسوم والأشكال، فتبدل الأرض عندهم غير الأرض والسماوات فتنقلب كلها نوراً مجموعاً ببحر الأنوار، وبمحيطات أفلاك الأسرار،


(١) من الآية ٢٤ من سورة الزمر.
(٢) من الآية ٤٨ من سورة القمر.
(٣) الآية ٤٢ من سورة إبراهيم. [.....]
(٤) من الآية ٤٨ من سورة الشورى.
(٥) الآية ٥٤ من سورة النور.

<<  <  ج: ص:  >  >>