للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسريره لتدبير مملكته، فدبر الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض، بتحريك الأفلاك وتسيير الكواكب، وتكوير الليالي والأيام، فله الخلق والأمر. وكذلك قال في آية السجدة بعد ذكر الخلق: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ «١» ، فربُّ الخلائق: مَن هذا صفته، لا غيره. انتهى بالمعنى.

ثم أمرهم بأن يدعوه، متذللين مخلصين، فقال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً أي: ذوي تضرع وخفاء فإن الإخفاء دليل الإخلاص، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ المتجاوزين ما أمروا به في الدعاء وغيره، ونبه على أن الداعي ينبغي ألاَّ يطلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء، وقيل: الاعتداء في الدعاء، هو الصياح به، والتشدق، أو اختراع دعوة لا أصل لها في الشرع، وعن النبي صلى الله عليه وسلّم: «سَيَكُونُ قَومٌ يَعتَدُونَ في الدّعَاءِ، وحَسبُ المَرء أن يَقُولَ:

اللَّهُمَّ إنَّي أسألُكَ الجَنَّةَ ومَا يُقرِّبُ إليهَا من قَولٍ وعَمَلٍ. ثم قرأ: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» «٢» .

وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي، بَعْدَ إِصْلاحِها ببعث الأنبياء، وشرع الأحكام، أو:

ولا تُفسدوا في الأرض بالمعاصي الموجبة لفساد العالم بالقحط والفتن، بعد إصلاحها بالخصب والأمان، وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً أي: خوفاً من الرد لقصور الأعمال، وطمعًا في القبول بالفضل والكرم إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ المخلصين.

قال البيضاوي: هو ترجيح للطمع، وتنبيه على ما يتوصل به إلى الإجابة، وتذكير قريب لأن الرحمة بمعنى الترحم، أو لأنه صفة محذوف أي: أمر قريب، أو على تشبيه فعيل الذي هو بمعنى مفعول، أو للفرق بين القريب من النسب، والقريب من غيره. هـ. قلت: والأحسن أنه إنما ذكره لأن المراد بالرحمة هنا: سر الخصوصية، وهو مذكر، فراعى معنى اللفظ، كأنه قال: إن سر الولاية- وهي الخصوصية- قريب من المحسنين.

والله تعالى أعلم.

الإشارة: قوله تعالى: (في ستة أيام) : قال الورتجبي: في كل يوم من هذه الأيام: ظهور صفة من صفاته الست: أولها: العلم، والثاني: القدرة، والثالث: السمع، والرابع: البصر، والخامس: الكلام، والسادس: الإرادة، كملت الأشياء بظهور أنوار الصفات الستة، ولما أتمها صارت الحدثان كجسد آدم بلا روح، فتجلى من صفته السابعة-


(١) الآية ٤ من سورة السجدة.
(٢) أخرجه أبو يعلى فى مسنده «٢/ ٧١» من حديث سعد بن أبي وقاص. وصدر الحديث إلى قوله (فى الدعاء) أخرجه أبو داود فى (الطهارة، باب الإسراف فى الماء) وابن ماجه فى (الدعاء، باب كراهية الاعتداء فى الدعاء) والحاكم فى المستدرك «١/ ٥٤٠» وصححه ووافقه الذهبي، من حديث عبد الله بن مُغفل.

<<  <  ج: ص:  >  >>