المرحوم خير الدين الزركلي، نتاجه، الّذي بدأه عام ١٩١٢ - بعد الإعداد له قبل ذلك بسنوات - ولم ينفض يده منه طيلة ستين عاما، باذلا فيه ما قدّره الله عليه من مساعي تطوير، أشار هو إلى بعضها في المقدّمات التي صدر بها الطبعات الثلاث للأعلام: عام ١٩٢٧ وعام ١٩٥٧ وعام ١٩٦٩، واستمر في بذلها إلى العشية من توقف قلبه الكبير عن الخفقان، وانقطاع نسغ الحياة عن دماغه الثرّ المنظّم.
لقد وفّت (الأعلام) بما رسمه لها مؤلفها من مهمة، تضمنت التعريف بالبارزين في العصور العربية السابقة، وذلك بالتواؤم مع خطر كل منهم.
ولكنّها - بخاصّة - يمكنها أن تدلّ على سائر أترابها بظاهرة التبسّط في ترجمة المعاصرين وإيراد المعلومات الرئيسة وذات الدلالة في حياتهم، مما يجعل الكتاب في مجموعه مرجعا ذا أهمية وفائدة فريدتين، ندر توافرهما لمؤلّف سواه. ولعل الأوضاع الحياتية التي كانت الإطار لوجود المؤلّف: من شاعرية صافية اقتنع بها كل معنى بالنظم والقريض، إلى ملكة للتعبير النثري الجزل الدقيق المتمكّن، إلى مهنة التمثيل السياسي الأرقى لدولة عربية كبيرة، وما تشمله هذه المهنة من إتاحة تنقلات في بلدان العالم العربيّ والغربي، ولقاءات لأدبائها وبارزيها، وذوي القدرة والخبرة في إدارتها وحقائقها، واطّلاع على كنوزها العلمية، في متاحفها، ومكتباتها العامة والخاصة ... لعل كل ذلك كان الأساس الفريد الّذي جعل (الأعلام) نتاج سلسلة من العوامل الموافقة التي لم تتح لكثير من المؤلفين في التاريخ، وأتيحت للزركلي، مع رفده لها باهتمام وحدب ودأب، على التقصّي والتوضيح والضبط والإتقان، بين المراجع المطبوعة والمخطوطة والمصوّرة، ممّا أدّى بجماعة، كلّه، إلى هذا المرجع النّادر، الدّاعي بحقّ إلى الفخر.
وكما يمكن للقارئ أن يلاحظ من الكلمة التي تركها المؤلف لتكون نواة مقدّمة لهذه الطبعة الرابعة من (الأعلام) ، فلقد خضعت هذه الطبعة لإعادة كاملة لتشييد نظام تأليف الكتاب.
وللقيام بذلك، نثر المؤلف المجموعات السابقة، وجمع عناصر كل ترجمة: من سيرة ومؤلفات ورسم وخطّ وإضمامات وتصويبات وتعديلات ومراجعات واستدراكات، جمعها كلها في جزازة، رصفها إلى أختها حسب ترتيبها الأبجدي، دون أن يفسح له لإثبات ذلك الترتيب بترقيم الجزازات، وذلك تصميما منه لمواصلة التثبت من ضبط التسلسل الأبجدي حتى النهاية، أي إلى ما قبل دفعها إلى