وقوله صلى الله عليه وسلم:«لو كانوا يعلمون» أي بفضلها من الصلاة في المسجد النبوي أو ثواب الإقامة فيها وغير ذلك. ويحتمل أن «لو» بمعنى «ليت» ولا يحتاج إلى تقدير، وعلى الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها وآثر غيرها. قالوا: والمراد به الخارجون من المدينة رغبة عنها كارهين لها. وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث.
قال الطيب:«الذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل أولئك الذين «لا يعلمون» منزلة اللازم لتنتفي عنهم المعرفة بالكلية، ولو ذهبوا مع ذلك التّمنّي لكان أبلغ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله، أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظا وتشديدا» . قال البيضاوي:«المعنى أنه يفتح اليمن، فيعجب قوما بلادها، وعيش أهلها، فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم وأهليهم حتى يخرجوا من المدينة، والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم لأنها حرم النبي صلى الله عليه وسلم وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها» .
وقوّاه الطيبي لتنكير قومه ووصفهم بكونهم يبسون، ثم توكيده بقوله: لو كانوا يعلمون، لأنه يشعر بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني، وأعرض عن الإقامة في جوار النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كرّر قوما» ووصفهم في كل مرتبة بقوله يبسّون بسبب اتخاذهم لتلك الهيئة القبيحة.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
«يبسّون» [ (١) ] : بمثناة تحتية فموحدة مضمومة وتكسر، قال أبو عبيدة: معناه يسوقون دوابّهم والبسّ سوق الإبل بقول بس بس عند السّوق وإرادة السرعة.
«الأرياف» : جمع ريف بكسر الراء، موضع الخصب- بكسر الخاء المعجمة- والسعة في المطعم.
«الّلأواء» : بالفتح والمد: الشدة وضيق المعيشة.
«تنفي الخبث» : أي بإظهاره وإخراجه.
«الكير» : بكسر الكاف وسكون التحتية وهو المعروف بين الناس أنه الزّقّ الذي ينفخ فيه، لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير كانون الحدّاد والصائغ، وقيل: الكير هو الزّقّ والكانون هو الكور.