ثلاثة آلاف ونحن نصيّة ... ثلاث مئين إن كثرنا وأربع
نعاورهم تجري المنيّات بيننا ... نشارعهم حوض المنايا ونشرع
تهادى قسيّ النّبع فينا وفيهم ... وما هو إلّا اليثربيّ المقطّع
ومنجوفة حرميّة صاعديّة ... يذرّ عليها السّمّ ساعة تصنع
تصوب بأبدان الرّجال وتارة ... تمرّ بأعراض البصار تقعقع
وخيل تراها بالفضاء كأنّها ... جراد صبا في قرّة يتريّع
فلمّا تلاقينا ودارت بنا الرّحى ... وليس لأمر حمّه الله مدفع
ضربناهم حتّى تركنا سراتهم ... كأنّهم بالقاع خشب مصرّع
لدن غدوة حتّى استفقنا عشيّة ... كأنّ ذكانا حرّ نار تلفّع
وراحوا سراعا موجفين كأنّهم ... جهام هراقت ماءه الرّيح مقلع
ورحنا وأخرانا بطاء كأنّنا ... أسود على لحم ببيشة ظلّع
فنلنا ونال القوم منّا وربّما ... فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع
ودارت رحانا واستدارت رحاهم ... وقد جعلوا كلّ من الشّرّ يشبع
ونحن أناس لا نرى القتل سبّة ... على كل من يحمي الذّمار ويمنع
جلاد على ريب الحوادث لا نرى ... على هالك عينا لنا الدّهر تدمع
بنو الحرب لا نعيا بشيء نقوله ... ولا نحن ممّا جرّت الحرب نجزع
بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحّش ... ولا نحن من أظفارها نتوجّع
وكنّا شهابا يتّقي النّاس شرّه ... ويفرج عنه من يليه ويسفع
فخرت عليّ ابن الزّبعرى وقد سرى ... لكم طلب من آخر اللّيل متبع
فسل عنك في عليا معدّ وغيرها ... من الناس من أخزى مقاما وأشنع
ومن هو لم تترك له الحرب مفخرا ... ومن خدّه يوم الكريهة أضرع
شددنا بحول الله، والنّصر شدّة ... عليكم وأطراف الأسنّة شرّع
نكرّ القنا فيكم كأنّ فروغها ... عزالى مزاد ماؤها يتهزّع
عمدنا إلى أهل اللّواء ومن يطر ... بذكر اللّواء فهو في الجذم أسرع
فخانوا وقد أعطوا يدا وتخاذلوا ... أبى الله إلا أمره وهو أصنع
قال ابن هشام: وقد كان كعب بن مالك قد قال: «مجالدنا عن جذمنا كلّ فخمة» ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيصلح أن نقول: مجالدنا عن ديننا؟» فقال كعب بن مالك: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهو أحسن» ، فهو أحسن،
فقال كعب: «مجالدنا عن ديننا» .