فيأتيه المشتري وهو زيدٌ، فيقول له: أَسْقِطْ حقَّك في الشفعة وسأُعَوِّضك بعشرة آلاف دينار؛ فهذا لا يجوز، ولا يصحُّ الصلح فيه؛ لأنَّ الشفعة إنَّما شُرِعت لإِزالة الضَّررِ عمَّن يحقُّ له الشفعة، فإذا رَضِيَ بالعِوَضِ تبيَّن أنَّه لا ضرر، فلا استحقاق حينئذٍ، ويبطل العِوَضُ، لبطلان معوَّضِه.
- الصُّلحُ عن حدِّ القَذْف -ومثله السَّرِقة-: كأنْ يقذف رجلٌ آخر، فيقولُ القاذفُ للمقذوف: لا ترفع أمري للقضاء، وسأعطيك عشرة آلاف دينار مثلاً؛ فهذا لا يجوز، ولا يَصِحُّ الصلحُ فيه؛ لأنَّ حدَّ القذف شُرِعَ للزَّجْر عن الوقوع في أعراض الناس، ثمَّ إنَّه ليس له الاعتياض عنه؛ لأنَّه ليس بمالٍ، ولا يؤول إليه؛ فإمَّا أن يُرفَعَ أمرُه للقضاء أو يُتْرَكَ دون مقابلٍ، بخلاف الصُّلْح في القَصاص فإنَّه يجوز؛ لأنَّه يُستعاضُ عنه بالمال؛ فجاز الصلح فيه.
ومع عدم جواز الصلح في هذه الأمور المتقدِّمة (الخيار، الشُّفْعَة، حدُّ القَذْف)، إلَّا أنَّه في هذه الحال تسقطُ جميعُها؛ فيسقط حقُّه في الخيار والشُّفْعَة والقَذْف؛ لأنَّه رَضِيَ بتركها.
- الصُّلحُ على إطلاق شارب الخَمْر، أو السَّارِق، أو الزَّاني: فلو أمسك شخصٌ سارقاً، أو زانياً، أو شاربَ خَمْر، فصالحه (السارق، أو الزاني، أو الشارب) على عدم رفعه لوليِّ الأمر، على أن يعطيه مبلغاً من المال، فهذا لا يجوز ولا يَصِحُّ الصلح فيه؛ فإمَّا أن يرفعَ أمرَه، أو يتركَه ويسترَ عليه إن رأى في ذلك مصلحةً؛ لأنَّ الرَّفع إلَى السلطان أو وليِّ الأمر ليس حَقًّا يجوز الاعتياض عنه. كما أنَّ الصلح في ذلك يفوِّت الحِكْمة من مشروعيَّة هذه الحدود؛ وهي الزَّجر عن الوقوع فيها والتلبُّس بها.