للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم الجدية]

السبب السادس: عدم الجدية: بعض الناس عنده استعداد أن يخرج مع الأخيار في رحلة قد يكون فيها فوائد طيبة، وفيها مجال للانبساط وحظ النفس، ممكن أن يأتي ويشارك في المركز الصيفي وما فيه من البرامج الجادة، لكنه سيجد فيه برامج رياضية، وسيجد فيه ما يزيل السأم عن النفس، ولا شك أن النفس تميل إلى مثل هذا الأمر، لكن عندما تأتينا أشياء جادة، كأن يقال: هناك درس علمي فمن يريد أن يبقى فليبق، والذي يريد أن ينصرف فلينصرف، ستجد أن هذا الدرس لا يقبل عليه إلا عدد أقل، عندما يكون هناك برامج جادة كأن يقال للشاب: نريدك أن تقرأ هذا الكتاب، وحجمه ٣٠٠ صفحة أو ٤٠٠ صفحة، أو عندما يقال له في أمر من باب الجهاد في سبيل الله عز وجل.

نحن نمني أنفسنا بالجهاد، ويحدث الواحد نفسه فيقول: الآن أتمنى إن شاء الله أن يتاح لي المجال للجهاد والشهادة، لكن هذه أماني، وعندما تأتي الحقيقة تتغير الصورة، وأظن أنه قد مرت بكم تجربة وكانت الأحداث بعيدة عنكم، ومع ذلك أصبحت القلوب ترجف، وأصبح الإنسان يريد أن يبذل كل شيء ليسلم فقط من هذا الخطر الداهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء:٧٧].

نحن لا نريد مظهراً خارجياً في شاب يلتزم بالأمور المظهرية فيقصر ثيابه ويعفي لحيته ويحافظ على السنن الرواتب وغيرها من الأمور، وهذه أمور مطلوبة، لكن أقول: العبرة بالصبر على التكاليف الجادة مثل أن يصبر الإنسان على الفتن، أن يصبر على المصائب، أن يعد نفسه للجهاد في سبيل الله.

هل تتخيلون أن يزيد عدد الشباب الأخيار ثم يصبحوا آباء ومسئولين، وبعد فترة تقوم عندنا دولة إسلامية وخلافة إسلامية؟ لا، فلابد أن تحصل فتن ولابد أن تراق دماء: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤]، فأقول: الطريق الذي تسلكونه طريق سجن، طريق مصائب، طريق يحتاج إلى أن يضحي الإنسان بماله وبراحته، بل أحياناً يضحي بنفسه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:٢].

إذاً: نعود إلى ما أشرنا إليه، فنقول: إن بعض الشباب قد يكون شخصية غير جادة، يسلك طريق الاستقامة وقت الراحة، لكن عندما تأتي قضايا جادة تتطلب الصبر والتضحية يحس أنه مهدد أن يصيبه ما يصيبه، وسرعان ما يهلك، ولذلك تصبح الفتن هي المحك؛ لأن أكثر ما يكون التساقط عند الفتن، وسميت فتناً لأنها تصفي الناس وتميز سالصادقين: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٣].

فأقول: يجب أن نربي أنفسنا على الجدية، ولا حرج أن يكون لنا حظ من اللهو المباح في لقاءاتنا مع زملائنا وإخواننا، يكون لنا حظ مثلاً من الرياضة المباحة، لكن بشرط أن نتطلع إلى أمور أعلى، ونكون جادين، ولا نكون شخصيات هازلة.