[تغيير لغة التخاطب مع الناس]
أسلوب سابع: تغيير لغة التخاطب مع الناس.
أظن مثلاً يعني الحديث مع الناس: هذا حرام، والكثير من الناس يستهينون به، ولا يعبأون بحدود الله، وحرمات الله، هذا الهجوم الشرس على الناس أظن أنه ليس وحده أسلوب الموعظة الناجح، وكذلك الحديث العاطفي الذي يأخذ قدراً كبيراً من المبالغة، وإلهاب عواطف الناس وحماس الناس، مما يجعلهم يأخذون ردة فعل معاكسة ليس هو الأسلوب وحده أيضاً الذي يؤدي إلى إقناع الناس.
أحد الخطباء الغيورين خطب وتحدث مع الناس عن مشكلة موجودة، وللأسف ليست حالات فردية، ولا حالات نادرة، بل حالات منتشرة، وهي أن بعض الفتيات يخرجن مثلاً في الليل دون أن يعلم عنهن أولياء الأمور، فهي ظاهرة موجودة ومشكلة موجودة في المجتمع، فالكثير من أولياء هؤلاء الفتيات لا يعلمون.
فالخطيب يريد أن يتحدث عن هذه المشكلة، وعن مشكلة العلاقات السيئة بين الفتيات وبين الشباب، فبالغ في الموضوع، وضخم الأمر، وقال: يجب على كل أب أن يستيقظ الساعة الواحدة، ويذهب يتفقد ابنته هل هي في الفراش أم لا! وضخم الموضوع، حتى يقول لي أحد الحاضرين: خرجت وأنا أشك في والدتي، وأنا أشك بأمي أنها تستيقظ نصف الليل وتذهب مع بعض الشباب.
فالخطيب يريد أن يعالج قضية فعلاً مهمة، وقضية حساسة، لكنه عندما يندفع بهذه العاطفة، ويتجاوز ويبالغ، فالنتيجة ستكون ردة فعل، أو النتيجة أن يقول الناس: هذا إنسان عاطفي، لكن لو كان يعالج المشكلة فعلاً بعقلانية وبمنطق، ويتحدث مع الناس بأسلوب مناسب، ويطرح حلولاً معقولة، ويتعامل مع الناس بالثقة، فأظن أن الصورة ستختلف كثيراً.
كذلك مثلاً عندما أتحدث مع ناس يقعون في معصية معينة من المعاصي بدلاً من أن أقول: أنتم للأسف متهاونون بحرمات الله سبحانه وتعالى، ولا تقيمون لشرع الله وزناً، ولا يبالي أحدكم بأمر الله عز وجل، ويعطي قائمة من التهم، لو كان يقول للناس: إننا مقصرون في طاعة الله، ونحن نتجاوز حرمات الله عز وجل، ونتجرأ على المعاصي، ويشرك نفسه مع الناس؛ لاختلفت نظرة الناس إلى هذا الحديث.
ولو كان يتحدث للناس مثلاً عن أضرار المعاصي فقط وشؤم المعاصي، فالناس يدركون أنهم واقعون في المعصية، فعامة المسلمين الآن الذين يقعون في المعاصي يدركون أنهم واقعون في المعصية، لو كان يتحدث فقط عن أضرار المعصية، أو يتحدث عن ورع السلف عن المعاصي، ويتحدث عن حال الزهاد، وعن حال النبي صلى الله عليه وسلم، ويسلك مثل هذه الأساليب والوسائل.
فلنغير لغة التخاطب مع الناس، فأحياناً نتحدث عن جوانب الخير عند الناس: عندكم جوانب خير، وفيكم كذا وكذا، فمثلاً أحد الناس قام يتحدث بعد صلاة الفجر عن التأخر عن صلاة الفجر، فهؤلاء جاءوا يصلون الفجر، ففيهم خير، وبدأ ينزل على الناس: للأسف أنتم لا تبالون بصلاة الفجر، ولا تقيمون لها وزناً، فقال له أحد الحاضرين: خاطب الناس الذين في الفرش، وأما نحن فقد حضرنا، ولو ما كان عندنا خير، ولو كان ما عندنا شعور بأهمية صلاة الفجر لما جئنا أمامك، ولما سمعنا حديثك.
فأقول: أيضاً من الوسائل: تغيير لغة التخاطب مع الناس، وأنا لا أدعو إلى أن نتنازل ونميع القضايا، ونقول للفساق: أنتم من الأتقياء، وأنتم من البررة، لا، لكن على الأقل نغير أسلوب التخاطب مع الناس.
ولنا أسوة بأنبياء الله، وأسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيوسف عليه السلام قال وهو يخاطب أناساً مشركين: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:٣٧ - ٣٩]، فبدأ يتدرج مع هؤلاء مع أنهم مشركون.
وابن القيم رحمه الله له عبارة جميلة في (الفوائد) قريبة مما قلناه، يقول: العارف لا يأمر الناس بترك الدنيا، فإنهم لا يقدرون على تركها، ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع إقامتهم على دنياهم، فترك الدنيا فضيلة، وترك الذنوب فريضة، فكيف يؤمر بالفضيلة من لم يقم بالفريضة؟! فإن صعب عليهم ترك الذنوب، فاجتهد أن تحبب الله إليهم؛ بذكر آلائه، وإنعامه، وإحسانه، وصفات كماله، ونعوت جلاله، فإن القلوب مفطورة على محبته، فإذا تعلقت بحبه هان عليها ترك الذنوب والإصرار عليها، والاستقلال منها.