[العلم الذي لا ينفع]
لا أريد أن أتحدث عن فضل طلب العلم كما قلت لكم، وليس أمثالكم بحاجة إلى أن يُحدثوا عن ذلك، لكن من باب الإشارة والتذكير، أما موضوعنا فهو الحديث عن العلم الذي لا ينفع، وذلك قد جاء بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء في كتاب الله عز وجل الإشارة إلى أنواع من هذا العلم الذي لا ينفع.
ثبت في صحيح مسلم من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: (لا أقول إلا كما كان صلى الله عليه وسلم يقوله: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل) ثم قال: (وأعوذ بك من علم لا ينفع).
وورد هذا المعنى أيضاً في أحاديث أخرى، كحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وورد من حديث أنس، وورد من حديث أبي هريرة وكل هذه النصوص يستعيذ فيها النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع.
وفي حديث جابر (سلوا الله علماً نافعاً واستعيذوا به من علم لا ينفع).
وقد ورد أيضاً الاستعاذة من العلم الذي لا ينفع في حديث عبد الله بن أبي أوفى.
هذه النصوص في المسند والسنن تعطينا دلالة على أن هناك من العلم ما يصبح شراً يُستعاذ بالله منه، وأن تحصيل العلم بأي وسيلة، مما ينطبق عليه أنه العلم الذي يسهل الله عز وجل به للعبد طريقاً إلى الجنة، وهذا يجعل الإنسان يتفاءل حينما يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من هذا العلم الذي لا ينفع، ويحذر ويعرف أن العلم قد يكون أحياناً غير نافع لصاحبه، بل قد يكون أحياناً وبالاً وشراً على صاحبه عافانا الله وإياكم.
وهذا أيضاً يعطينا دلالة على أن طلب العلم وجمع المعلومات ليست غاية في حد ذاتها، نعم الإنسان يستهدف العلم ويسعى في تحصيل العلم وتحصيل العلم عبادة، لكن مجرد تحصيل العلم للعلم في حد ذاته ليس غاية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله من العلم الذي لا ينفع، وهذا يعني أن هناك علماً ينفع وعلماً لا ينفع؛ ولهذا فالعلم وسيلة إلى تحقيق خيري الدنيا والآخرة، وما لم يترتب عليه هذا النفع فإنه شر يستعاذ بالله عز وجل منه، والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله مراراً من العلم الذي لا ينفع، ولم يبين لنا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ما هو العلم الذي لا ينفع، لكنه جاء بعبارة واضحة محددة يفهمها كل الناس: أنه علم لكنه لا ينفع، فلا يعود بالنفع على صاحبه، والنفع ما كان نفعاً للمرء في دينه وآخرته، ثم ما كان ينفع الناس في دنياهم مما لا يكون على حساب الآخرة لأن الآخرة هي الأصل، فقد يحصل الإنسان علماً ينفعه في الدنيا لكنه يضره في آخرته، أرأيت مثلاً الساحر الذي يتعلم السحر، والسحر علم لكن الله عز وجل يقول: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢]، والذي يتعلم السحر ينتفع بذلك في دنياه، وأهل الشعوذة والسحر والكهانة من أكثر الناس ثراء وتحصيلاً للمال، فهو ينتفع بذلك في دنياه لكن هذا النفع على حساب آخرته، ويجر عليها الوبال وخسران الآخرة فأصبح في النهاية علماً لا ينفع، بل هو من أشد العلوم ضرراً على صاحبه.
إذاً: فنحن أمام عبارة واضحة، أي علم لا يترتب فيه نفع في الآخرة، أو في دنيا العبد فإن هذا العلم من العلم الذي يستعاذ بالله عز وجل منه، وقد تتفاوت مراتب هذا العلم، فقد يُصبح وبالاً على الإنسان، ويُصبح هذا العلم شراً بذاته، ويجلب الشر والفساد كما في تعلم العلوم التي تصد الإنسان عن دين الله أصلاً، أن يتعلم الإنسان علوماً فيها شبه وفيها إشكالات، فيكون العلم سبباً لصرفه عن الهداية إلى الضلال، فهذا في قمة ما يستعاذ بالله منه، وقد يكون العلم الذي يتعلمه الإنسان من الفضول فقد لا يترتب عليه ضرر مباشر وشر مباشر، لكنه من فضول العلم، ولا شك أن هذا لا ينفع، بل مآله إلى أن يضر الإنسان؛ لأنه أنفق فيه جزءاً نفيساً من وقته كان ينبغي أن ينفقه فيما ينفع فصرفه عن العلم النافع.
ثم أيضاً هذا العلم الذي تعلمه أخذ جزءاً من تطلع الإنسان للعلم، فالإنسان عنده تطلع للعلم وعنده رغبة في المعرفة والتعلم، فحينما يحصّل هذا العلم فإنه يسد هذه الرغبة، فتنصرف رغبته في العلم النافع.
على كل حال العلم الذي لا ينفع يتفاوت فقد يجلب ضرراً للإنسان، وقد يصل به إلى حرمان الفلاح في الآخرة كما قال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:١٠٢] أي أنه ليس له في الآخرة من نصيب، وهذا الجزء من الآية يستدل به على أن السحر كفر صراح؛ لأنه حينما يكون ليس له أي نصيب في الآخرة فهذا معناه أنه لن يدخل الجنة، ومعناه أنه سيخلد في النار وهذا ليس إلا للكفار، فهذا العلم تسبب في حرمانه كل نصيب من الثواب والخير في الآخرة، وتسبب لخروجه من دائرة الإسلام ودخوله في الكفر، وقد يكون دون ذلك كما في شأن الذي يتعلم بعض