للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معاناة السلف من المقلدة وذمهم للتقليد]

والسلف لهم مقالات طويلة في العيب على المقلّدة، وذمهم ونقدهم، ليس هذا وقت حصرها، لكني أورد أبياتاً لإمام المغرب ابن عبد البر رحمه الله يقول: يا سائلي عن موضع التقليد خذ عني الجواب بفهم لب حاضر وأصخ إلى قولي ودن بنصيحتي واحفظ عليّ بوادري ونوادري لا فرق بين مقلد وبهيمة تنقاد بين جنادل ودعاثر تباً لقاض أو لمفت لا يرى عللاً ومعنى للمقال السائر فإذا اقتديت فبالكتاب وسنة ال مبعوث بالدين الحنيف الطاهر ثم الصحابة عند عدمك سنة فأولاك أهل نهى وأهل بصائر ولا يزال المصلحون يعانون من هذا الصنف من الناس الذي يحتج دائماً بما ورثه عن آبائه وأجداده، أو بما قلده عن فلان وفلان، وهي معاناة لا تعدو أن تكون كمعاناة الأنبياء حين يأتيهم قومهم يقولون: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} [المؤمنون:٢٤].

المنذر بن سعيد رحمه الله كان مصلحاً، وكان يدعو للإصلاح، ولهذا يحكي معاناته مع قومه فيما رواه عنه ابن عبد البر يقول: عذيري من قومي يقولون كلما طلبت دليلاً هكذا قال مالك فإن عدت قالوا هكذا قال أشهب وقد كان لا تخفى عليه المسالك فإن زدت قالوا قال سحنون قبلهم ومن لم يقل ما قاله فهو آفك فإن قلت قال الله ضجوا وأكثروا وقالوا جميعاً أنت قرن مماحك وإن قلت قد قال الرسول فقولهم أتت مالكاً في ترك ذاك المسالك نعم كان يعاني من أولئك الذين يحتجون عليه بقول الرجال، فإن قلت قال الله عز وجل ضجوا وصيحوا، وإن قلت قال النبي صلى الله عليه وسلم قالوا إن فلاناً أعلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يترك ذاك إلا وقد أتته الحجة والبرهان في هذا.