للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل رأيت الأخيار]

الصفحة الثالثة: هل رأيت الشباب الأخيار؟ لابد أنك قد رأيت ذاك الشاب المستقيم السائر على طاعة الله سبحانه وتعالى، رأيته يوماً من الأيام يمد يده ليعطي لك شريطاً، أو يعطيك كتيباً، أو يتحرك لسانه بلغة تدرك منها الإشفاق والنصح ليوجه لك نصيحة صادقة وخالصة.

إنه أيضاً قبل أن تمتد يده بهذا الشريط وهذا الكتاب قد امتدت إلى جيبه لتخرج تلك النقود يدفعها ليشتري لك هذه الهدية يدفعها لك وهو يدعو لك بدعاء صالح، ودعاء صادق أن يهديك الله سبحانه وتعالى.

أرأيت هؤلاء؟ ما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ ما الذي يدعوهم لهذا؟ ما الذي يدعوه إلى أن يكثر لك النصيحة؟ بل الذي دعاك لحضور هذه المحاضرة، وحضور هذا المجلس، والذي يدعوك من وقت لآخر إلى أن تحضر مجالس العلم، ولقاءات الخير، ما الذي يدفعه لذلك؟ أرأيت أولئك الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، الذين تتفطر قلوبهم حزناً وألماً على واقعك وواقع إخوانك، الذين يسهرون ليلهم، ويصرفون أقواتهم في بذل الجهد لإنقاذك من هذه الغفلة، ماذا يريد كل أولئك؟ أليس هذا -يا أخي- وحده كافياً أن يشعرك فعلاً بأنك تسير على طريق نهايته أليمة؟ أليس هذا كافياً بأن يهزك هزاً ليوجهك إلى أن تسلك الصراط المستقيم؟ كل هذه الجهود -أخي الكريم- وكل ما تراه إنما هو من أجلك، من أجل إنقاذك من الخطر الداهم، ومن أن تتعرض لسخط الله وعذابه سبحانه وتعالى، من أجل أن ينقلوك إلى سعادة الحياة الدنيا التي قلت أنت بنفسك وبقلمك: أنك تدرك أن الالتزام وأن الاستقامة هي طريق السعادة.

فلا تظن -أخي الكريم- أن ما أنت عليه من التمتع بالشهوات المحرمة هي غاية الحياة الدنيا، وهي النعيم، ولكن النعيم هو ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في قوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧].

إن هؤلاء الشباب الأخيار، وأولئك الدعاة، وغيرهم الكثير الكثير الذين يسهرون ويؤرقهم همك، كل هؤلاء يسعون إلى أن ينقلوك إلى هذه السعادة وهذا النعيم، وإن هذا النعيم -أخي الكريم- هو الطريق والخطوة الأولى بعد ذلك للسعادة الأبدية، والسعادة السرمدية، يوم يؤتى بالموت على هيئة كبش، فيقال لأهل الجنة: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، الموت.

ويقال لأهل النار: أتعرون هذا؟ فيقولون: نعم، الموت.

فيذبح حينئذٍ بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت، حينئذٍ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].

ولتعلم -أخي الكريم- أن السعادة، ولذة الإيمان، وجنة الدنيا التي يجدها المطيع لله سبحانه وتعالى في هذه الحياة هي الخطوة الأولى في طريق السعادة الأبدية السرمدية، وهي البوابة التي لابد أن يلجها من شاء أن يسلك وأن يصير إلى طريق السعادة الأبدية، التي لا شقاء ولا خسارة بعدها.