للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فساد النية]

السبب الأول: سوء النية: أحياناً يكون الرجل صاحب نية سيئة أصلاً، فهو مثلاً يسمع لفلان، لا لأجل أن يسمع له، ويقرأ لفلان وينظر إلى عمل فلان ويسأل، كل هذه الأمور لا لأجل أن يستفيد، وليس عنده استعداد أن يستفيد، إنما يبحث عن مدخل للطعن.

فهو إذاً سيئ النية ابتداءً، لكنه يقول لك: أنا لست بسيئ النية، أنا أعتقد أن هذا عدو للإسلام والمسلمين، أنا أعتقد أن هذا رجل سيئ، فمن باب الدفاع عن الدين سأقرأ له وسأسمع حتى أكتشف أخطاءه وأحذر منه الناس.

أحياناً يأتي شخص من المسلمين عالم أو طالب غيور، فيريد أن يقرأ لكاتب من الكتاب، ولنفترض أنه كاتب سيئ أو عنده انحراف، فيبدأ يقرأ بالمناقيش، وهنا لابد أن يقع أحياناً في سوء الفهم؛ لأنه يبحث عن الخطأ، بغض النظر عن موقفه هنا هل هو سليم أم لا.

لكن لماذا وقع في سوء الفهم هنا؟ لأنه يقرأ لأجل أن يبحث عن الخطأ، كما لو كنت تريد أن تقرأ ورقة مثلاً، فتبحث عن خطأ نحوي فيها، أو خطأ إملائي، فأنت لا يهمك الصواب ولا يهمك أي شيء، إنما تقرأ لتبحث عن الخطأ، وأن تصحح.

المهم أنك أصبحت تريد الخطأ وتبحث عنه، ومن ثم فستقع على الخطأ قطعاً، لكنك قد تقع على ما ليس خطأ، فمثلاً: لو كان الأخ مدرساً للغة العربية، فعندما أعطيه هذه الكلمة وأقول له: قيمها، فيمكن أن يقرأ الآن ويقول لك: هذه الكلمة فيها خلاف بين النحويين، وهذه لا تجوز، وهناك رأي يمنع هذا الشيء، أو هذه فيها احتمال، لماذا؟ لأنه يبحث عن خطأ.

لكن لو كان يقرؤها قراءة عادية متجردة قد يجد أنها لا إشكال فيها، وأن استعمالها سائغ، لكن عندما يقرأ ليبحث عن خطأ، سيجد أشياء هي أصلاً محتملة، لكنه سيحملها على المحمل الخاطئ لغة، أو الخاطئ في أي باب نبحث فيه ونناقش.

فيأتينا الآن مثلاً هذا الشخص فيقرأ، أو يسمع، أو يقيم عملاً معيناً، وهو يبحث عن الأخطاء، فسيقع على أخطاء، ويجب ألا نكون عاطفيين، فنقول: إن كل ما يتحدث عنه ليس أخطاء، بل سيقع على أخطاء، لكن هذا سيقع على كلمة تحتمل وجهين.

أنت عندما تسمع أو تقرأ ستجد الكلام يحتمل وجهين، ويحتمل عدة احتمالات، فعندما تقرأ وأنت تبحث عن الخطأ، فستحمل الكلام على الوجه الخاطئ وربما لا يحتمل.

وكم نجد من الناس من يقول كلاماً في كتاب، أو في مجلس، أو في مناسبة، ثم في مجال آخر يأتينا كلام يحتمل أنه يريد هذا الشيء، ثم في مجال آخر يصرح تصريحاً قاطعاً بخلاف هذا، ومع ذلك نرفض هذا الكلام، فنسلط الضوء على هذه العبارة الصغيرة، أو على هذا الموقف الصغير، وما سواه نرفضه.

وقد يقول: أنا لا أقصد كذا، وأنا لا أريد كذا، فيقال: لا، أنت تقصد كذا، وتريد كذا، يعني: بعبارة أخرى: نحن أعلم منك بما في نفسك، وأعلم منك بما تريد، وأعلم منك بما تقول، وإذا شككت في نيتك فعليك أن تسألنا، فنحن قد أصبحنا على مستوى من الاطلاع على النوايا.

إن هناك فئة ممن يأتي بسوء نية، قد لا يكون سوء النية قصد القضاء على الإسلام والمسلمين، وقد لا يكون الحرب على الدين، فقد يكون دفعه إلى ذلك حسده لفلان من الناس، وكم واجه شيخ الإسلام ابن تيمية وعبد الغني المقدسي وغيرهم من أئمة أهل السنة من مضايقات، ومن تحميل كلامهم ما لا يحتمل، وقالوا: خالف الإجماع في هذه القضية، وفعل كذا، وفعل كذا، حتى عندما ناظروا شيخ الإسلام في الواسطية قالوا له: لماذا قلت: من غير تكييف ولا تمثيل، ولم تقل: ولا تشبيه؟ يعني: لك مقصد في هذه العبارة! فأولئك منهم من كان صاحب علم، لكنه يحمله الحسد، ويحمله البغي، فصار عنده هذا الشعور، وكون نظرة معينة فصار يبحث لأجل هذه القضية.

ومن هذا القبيل النتائج التي يصل إليها المستشرقون في أبحاثهم، فالمستشرقون مثلاً يقرءون نصوص الكتاب والسنة والتاريخ الإسلامي، ويخرجون لنا بأقوال مضحكة، ويدعون تناقضات وأخطاء، إلى غير ذلك.

هناك عدة أسباب تحول بين المستشرقين وبين الفهم الصحيح، من هذه الأسباب: سوء النية، لأنه يقرأ ويبحث بنية معينة، فصار تلقائياً يفهم هذا الفهم، وينصرف إلى ذهنه مباشرة هذا الفهم السيئ، لأنه صاحب نية سيئة.