للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال بعض الأبناء مع آبائهم]

مع الرسائل: كنت قد تلقيت بعض المشاركات من بعض أبنائي الطلاب، والتي تمثل رسائل من معاناتهم هم فعلاً مع آبائهم، وأستأذنكم أن اقرأ لكم نماذج من ذلك، وقد تحيرت كثيراً فكان أمامي أكثر من خمسين رسالة حتى أختار منها ما أقرأه أو أقرأ جزءاً منه، ولهذا سأقرأ لكم رسالتين، واقرأ لكم أجزاءً من بعض الرسائل، مع شكري وتقديري لأبنائي الذين شاركوني وأعانوني، واعتذاري لمن لم يسمح الوقت لإبداء مشاركته.

رسالة من الصميم إلى أبي: إليك أبي الحبيب، إليك يا من سهرت عيناك لمرضي، وتعبت قدماك لأجلي، إليك أنت أيها الحنون المشفق! أبعث هذه الرسالة، وفؤادي قد سكب أشواقه فيها.

أبي! لا يتبادر إلى عقلك النير أنها على سبيل العتاب، لا يا أبي! إنها وربي كلمات من صميم قلب يفديك بدمه وماله وروحه، ومستعد أن يخسر كل شيء لأجلك، إذاً: فما بالك تعرضه على لفح الجمر، بل وتكويه بها، لا لا تنكر مهلاً مهلاً، تراهم والمؤذن يؤذن ولا تأمرهم بالصلاة، فكيف سمح لك عقلك النير أن تضع ابنك في قعر الجحيم؟! أنت تعلم عقوبة تارك الصلاة أنه كافر، أترضى أن يكون لك ابن كافر؟! أجب ما بالك صامتاً، أنا أعلم أن إجابتك ستكون بالنفي.

إذاً: ما بالك تجلب دواعي الشر، وكأنك تحب له الشر والفساد، ابنك فلذة كبدك تراه حبيس الشهوة، وأسير المعصية، فلا تحرك ساكناً، ولا تأمره بمعروف أو تنهه عن منكر؟ أنت قد جلبت له السعادة المزعومة، وتركت السعادة الحقيقية، إن الحياة الحقيقية هي في الإسلام والإيمان، ومحبة الرحمن، والابتعاد عن العصيان.

أبي! لا يضيق صدرك من حدة الصراحة، ولا تحزن فإن المجاملة تدفن نار الدمار برماد الفساد، وإن الجنة يا أبي! أفضل بكثير من الدنيا، فالدنيا مزرعة، وللعاصي نكد وهم وغم، والمؤمن مع تعبه فيها فهو في سعادة.

جمعني الله وإياك في طريق الفلاح.

ابنك المحب.

هذه رسالة من طالب في المرحلة الثانوية.

ورسالة أخرى يقول فيها كاتبها: والدي! عندما ينزف القلب دماً، وتقطر العيون دمعاً، ونظرات الناس تكوي جلدي كأنها السياط، وهمزاتهم تحرق قلبي كأنها الإبر؛ لتكتب لك يا أبي! مأساة شاب راقت له حياة الانحراف، ولكن قبل أن تسألني، ولابد أن تسألني: ما سبب انحرافك؟ تهتز صورتك بعقلي؛ لكي تسطر لك حكايتي، تقول: ابتليت أنت بنقمة المال، فحولت قلبك إلى آلة حاسبة، تتعامل معها بلغة الأرقام، ولم تنظر إلى فلذة كبدك، وإلى ما يحتاجه، ولم تشعر بقدر المسئولية التي يشعر بها أي أب آخر، كان همك الوحيد هو جلب المال فقط، ولم تعلمني كيف حكم الدنيا عمر، ولم تعلمني كيف كان يقاتل خالد بن الوليد، ولم تعلمني كيف حفظ القرآن ابن عباس، ولم تعلمني كيف يسرد الشعر حسان بن ثابت وغير ذلك.

ملعونة هي الدنيا التي صدتك عني، وملعونة هي الأموال التي أبعدتك عن ابنك، حين سلمتني الأقدار إلى تيارات الحياة، وسيرتني كالكرة أتدحرج هنا وهناك، آه وألف آه حتى جمعتني حياتي مع جماعة هم كالبهيمة يأكلون ويشربون لا هم لهم ولا هم عليهم، وقد يكونون أشباهي جمعتنا ظلمة سجن الدنيا، فكم تمنيت أن أموت ولا أحيا مثل هذه الحياة، فقد أصبحت كالقيثارة يعزف عليها البائس والسعيد، وأصبحت جرثومة يتحاشاني كل من رآني.

وبعد ذلك نعتني أبناء جنسي بالفاشل، نعم، أنا لا أرفض ذلك اللقب، فشلت في دراستي، وفشلت في حياتي، وسبب ذلك كله يعزى إليك، أصبحت مسلوب الإرادة لا حول لي ولا قوة، فقد جردتني حياتي من حياة سعيدة بالحنان والعطف والوئام في ضل أسرة كريمة، أفرادها متفاهمون.

أنا فاشل بمعنى الكلمة، فأين أنا من طالب مجد؟ وأين أنا من طبيب مخلص؟ وأين أنا من مهندس ناجح؟ كل أولئك جعلهم المجتمع في القمة، وأما أنا فأدس رأسي في التراب؛ خجلاً وغضباً.

أحضرت إلى منزلنا كل آلات اللهو والفجور، حتى أصبحت هي القاسم المشترك في انحرافي، فكلما رأيت الناجحين أحس بنفسي أني لا أساوي جناح بعوضة، نعم، أعطيتني المال فأصبح سلاحاً يطعنني في نحري، أعطيتني لكي أكون غنياً ابن غني، نعم الكنية هي لفاشل مثلي! ومنعت عني النصيحة وأنت تعرف أنها مفيدة لشاب مثلي، وحرمتني من نعمة الجلوس معك والتحدث إليك، كل ذلك وكأنك تنتقم مني لذنب لم أقترفه سوى أني ابنك.

الآن وحين يتجدد الندم أسأل المولى أن يلهمني الخطى السديدة، والعلم النافع، والعادة هي أن يقتدي الولد بوالده، لكن سوف أكسر تلك الديدنة، وسوف أعلم أبنائي وأحسن تعليمهم؛ حتى يصبحوا أفراداً ناجحين يرفعون رأس أبيهم، والسلام خير ختام، ابنك خيران.

ملحوظة: العنوان كالتالي: الندم، شارع الانحراف، سجن الفساد.

وهذه بعض الرسائل التي قد يضيق الوقت عن قراءتها، فأجتزئ بعض المقاطع منها: يقول أحدهم: وعندما كبرت أصبحت يا أبت! تراقبني حتى في غرفة نومي، وتلاحظني كل وقت، حيث إنك تفتش غرفتي بين الآونة والأخرى، وأصبح عندي شعور بأنك وضعت أجهزة تصنت في سيارتي، وعندما اشتريت لي السيارة أخذت كلما ذهبت وجئت تنظر إلى العداد،