ومن صور الرحمة بالخلق: الرفق بهم في من ولاه الله مسئولية وأمراً وقد دعا صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه).
فكل من ولاه الله أمانة ومسئولية من أب أو زوج أو أستاذ أو مدير أو مسئول صغير أو كبير فينبغي أن يرفق بالمسلمين، وأيضاً أن يرفق بالناس في نصحهم وفي تصحيح أخطائهم، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم كما وصفه معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وقصته مشهورة معروفة، (حين عطس رجل في الصلاة فقال: يرحمك الله ثم رمقه الناس بأبصارهم، فقال: ويل أمي ما بالكم ترمقوني بأبصاركم؟ فيقول رضي الله عنه: فبأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت معلماً أحسن تعليماً ولا تأديباً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، وإنما دعاني وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو الذكر والتسبيح والدعاء وقراءة القرآن).
والحديث المشهور: حين جاء الأعرابي وبال في طائفة المسجد وانتهره الناس، فأدركه صلى الله عليه وسلم بقلبه الرحيم وأعلمه بحق وواجب هذه الأماكن وصيانتها، فقال هذا الرجل: اللهم ارحمني وارحم محمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً، وذلك أنه رأى وعرف الرحمة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يفسر لنا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
إذاً: فمن رحمة أهل السنة بالخلق أن يرفقوا بمن يقع في الخطأ والمنكر، خاصة الذي يقع فيه عن جهل والذي لم يجد من يذكره ويعلمه، فينبغي أن يحسن إليه، وأن يرفق به، وأن ندعوه بعملنا وسلوكنا ورحمتنا قبل أن ندعوه بقولنا وإنكارنا، وأن يعلم هذا الرجل أننا حينما ندعوه وننكر عليه أننا ندعوه ونحن أهل الرحمة والعطف والشفقة والرفق ويرى هذا في سلوكنا، مما يشعره بصدق مقالتنا ودعوتنا، ويدعوه إلى أن يستجيب لما نرجوه ونطلبه منه.