ثالثاً: الناس معادن وطاقات ومواهب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الناس يتفاوتون تماماً كما تتفاوت معادن الذهب والفضة، فالمعدن مثلاً يُحصل عليه شائب يحتاج إلى تنقية فتجد أن ما تحصل عليه من هذا المعدن، قد تكون نسبة الشوائب فيه كبيرة، والآخر أقل، والآخر أكثر، وهكذا.
ثم المعادن تتفاوت فيما بينها فالذهب له قيمة ليست كقيمة الفضة، والفضة لها قيمة ليست كقيمة سائر المعادن، ثم ما دون الذهب والفضة من المعادن يحتاج إليه فيؤدي، أدواراً لا يمكن أن تؤديها الذهب والفضة، فيستفاد من هذه المعادن في صناعات وأمور لا يمكن أن تغنينا عنها الذهب والفضة، فكل هذه المعادن مطلوبة جميعاً، وكذلك الناس يتفاوتون، وكما قال الله سبحانه وتعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف:٣٢].
وكما أن معادن الناس وطاقاتهم وقدراتهم تختلف فكذلك تربيتهم، فمثلاً إنسان ولد في بادية ونشأ فيها وعاش فيها، والثاني عاش في قرية، والثالث عاش في مدينة لا شك أن منطق وتفكير هذا وشخصيته وعقليته تختلف عن منطق وتفكير الآخر، تختلف عن الثاني والثالث، وهكذا، إنسان عاش في عصر معين وآخر عاش في عصر آخر عاش في بيئة معينة تحكمها عادات اجتماعية وظروف اجتماعية أو اقتصادية معينة، لا بد أن تكون له طبيعة خاصة، وعقلية خاصة، أنت ترى مثلاً الآن أن أهل هذه البلاد يختلفون عن أهل تلك البلاد، يختلفون عن أهل البلاد الأخرى تبعاً لتربيتهم وظروفهم وحياتهم.
إذاً: فالناس يختلفون في معادنهم وقدراتهم واستعداداتهم ابتداء، ويختلفون أيضاً من ناحية تربيتهم وتنشئتهم والظروف التي يعايشونها، وقد كان السلف كذلك يتفاوتون فيقول ابن المبارك: رأيت أعبد الناس عبد العزيز بن أبي رواد وأورع الناس الفضيل بن عياض، وأعلم الناس سفيان الثوري، وأفقه الناس أبا حنيفة ما رأيت في الفقه مثله.
وقال أبو عبيد: انتهى العلم إلى أربعة أبي بكر بن أبي شيبة أحفظهم له، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه، وعلي بن المديني أعلمهم به، ويحيى بن معين أكتبهم له