[الاتزان العاطفي]
والصفة الخامسة مهمة، وهي: الاتزان العاطفي: إن الله عز وجل خلق عواطف للناس، فعند الناس رحمة ومحبة ومشاعر وارتياح، هذه العواطف لم يخلقها تبارك وتعالى عبثاً، وحينما ندعو إلى إلغائها عند الناس فإننا ندعو إلى تغيير خلق الله، وندعو الناس إلى أن يتخلوا عما فطرهم الله عليه، وحين تستبد بنا العواطف وتحكمنا العواطف نكون حينئذٍ ضحية لهذه العواطف، ونناقض صريح المنقول والمعقول، ونبقى أسرى لهذه العواطف التي قد تقودنا إلى مهالك.
إن المربي -أيها الإخوة- يحتاج إلى أن يملك العاطفة والحب والرحمة والحنان، فيشعر هذا الذي يتربى على يديه بهذا الشعور، فالله تبارك وتعالى قد قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول عنه ربه تبارك وتعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] مع أن هؤلاء أصحابه، ومع أن هؤلاء يعلمون أنه ليس ثمة حق إلا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحق كل الحق في اتباعه صلى الله عليه وسلم، والتأسي به، وأن كل حق يراد من غير طريقه ومن غير سبيله فليس حقاً، وأن كل ما يخالف ما دعا إليه باطل وضلال، مع هذا كله يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] فكيف بمن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم؟! إذاً: كيف تتصور أن يراك الناس، وأن ينظر إليك الناس؟! هل نتصور أن الناس سينظرون إلينا على أننا نحن الذين نملك الحق وحده، فنغضب الناس، ونسخط الناس، ونقسو على الناس، ونسيء أخلاقنا معهم، ونفتقد كل هذه المشاعر، ثم يقبلون علينا؛ لأننا نملك الحق، ونحمل الحق؟! إن هذا الأمر لم يتحقق للنبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمن هو دونه؟! ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل هذه المشاعر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب بأصحابه فدخل الحسين -وهو صبي- يتعثر في ثوبه، فينزل صلى الله عليه وسلم فيحمله، ثم يقول: (إن ابني هذا سيد).
ويأتيه وهو ساجد فيعلو ظهره، فيطيل النبي صلى الله عليه وسلم سجوده، فيقول: (إنه ارتحلني فكرهت أن أقوم حتى يقضي حاجته).
وحين حضر الموت أحد أحفاده الصغار بكى، فرأى أحد الصحابة دموعه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: (هذه رحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من عباده).
وحين جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراه يقبل الصغار، فقال: أتقبلون صبيانكم؟! إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟! من لا يرحم لا يرحم).
إذاً: هكذا كان المربي صلى الله عليه وسلم يملك رحمة، وإحساناً إلى الناس، ومحبة، يقول صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: (إني أحبك، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً).
ويثني صلى الله عليه وسلم على طائفة من أصحابه، فيفدي أحدهم، فيقول: (ارم فداك أبي وأمي)، ويقول في الزبير: (لكل نبي حواري، وحواريي الزبير)، إلى آخر ذلك من النصوص التي يشعر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بمحبته إياهم، وسؤاله عنهم صلى الله عليه وسلم، وعطفه عليهم، فالمربي يجب عليه أن يملك هذا الشعور، وأن يملك العاطفة والرحمة والود.
وحين يعرض الناس عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم يناقضون الفطرة، فأحد أهل التصوف مات طفل له، فحين دفنه صار يرقص على قبره، وكأنه يعلن أن هذا من تمام الرضا بقضاء الله تبارك وتعالى! وهل يظن هذا أنه أثبت قلباً من النبي صلى الله عليه وسلم الذي دمعت عينه حين مات ولده إبراهيم، وقال: (إن القلب ليحزن، والعين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا).
وعلى الجانب الآخر ينبغي أن تضبط هذه الانفعالات والعواطف فلا تنحرف، ولا تتحول الصلة بين المربي ومن يربيه إلى عواطف ومشاعر متبادلة، ولا تطغى هذه العواطف على ما يحتاج إليه هذا الشخص من الحزم أحياناً، ومن الجد، ومن معالي الأمور.
إن الإغراق في العاطفة يخرج جيلاً هش البنيان، وجيلاً يعيش على العواطف، وجيلاً غير جاد، وجيلاً غير عامل، وفي المقابل يخرج فقدان العاطفة جيلاً قاسي القلب، قد نزعت من قلبه الرحمة، فلابد أن يعيش المربي على هذا التوازن، وأظن أنه ليس أحدهما بأسوأ من الآخر، وأظن أن المربي المفرط في عاطفته ليس بأسوأ من ذاك الذي فقد العاطفة أو فقد المشاعر الإنسانية، والعكس كذلك.