الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: فإن واقع المسلمين اليوم لا يخفى على الجميع، ولعل أصدق وصف ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم:(بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) ولا شك أن القيام بهذه الأمة ورفع الغربة وإزالتها، وإعادة الأمة إلى ما كانت عليه من المكانة الشرعية التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتتبوأها لتكون خير أمة أخرجت للناس، ولتكون أمة شاهدة على الناس مسئولية الأمة جمعاء لا تخص أحداً دون أحد، ولا طبقة دون طبقة مهما تفاوتت المراتب ومهما تنوعت أعباء المسئولية، فإن النصوص التي خاطب الله هذه الأمة أن تعمل بها لتكون خير أمة أخرجت للناس عامة، وقد جعل شرط تلك الخيرية أن تتصف بصفة الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:١١٠] فهذا النص وغيره من النصوص الأخرى التي تدل على مضمونه هل تخاطب فئة معينة من الناس؟ هل هي موجهة إلى أولي الأمر؟ أم موجهة إلى العلماء أو طلبة العلم؟ أم إلى شريحة معينة من المجتمع؟ أم أنها موجهة إلى كل مسلم يقرأ القرآن؟! ومما يدل على مضمونه قول الله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة:١٤٣] هذه الأمة أخرجها الله لتحمل الهداية للبشرية جمعاء، وهذه النصوص التي خاطب الله بها هذه الأمة -كما قلت- ليست خاصة بفئة دون فئة، ولا بطبقة معينة من الناس، بل هي عامة لكل مسلم مكلّف يقرأ القرآن أو يسمعه.
وكذلك النصوص الواردة في السنة النبوية والتي توجب على الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) هذا الخطاب خطاب للأمة جميعاً، فكل مسلم يرى منكراً مخاطب بهذا النص الشرعي، ومخاطب بقوله صلى الله عليه وسلم:(ما بعث الله من نبي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بهديه، ثم إنه تخلف بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).
بالله عليكم عندما تقرءون هذه النصوص ماذا تفهمون منها؟! كل مسلم -مهما كان مستواه العلمي والثقافي، بل مهما كان مستوى إيمانه، حتى المسلم الفاسق المقصر، والمسلم الذي يرتكب الكبائر- داخل تحت هذه النصوص.
وهذا إذا كان يصدق على واقعة من الوقائع فيها منكر وأمر مخالف لأمر الله ورسوله، فكيف إذا كان الواقع كله يحتاج إلى تغيير؟! لا شك أن المسئولية تكون آكد، وكما كان الخطاب عاماً في الصورة الأولى لكل من رأى منكراً -سواء كان عالماً أو جاهلاً أو تقياً أو فاسقاً- فكذلك هذه النصوص مخاطب بها المسلمون جميعاً، ولا تخص أحداً دون أحد.
نعم تتفاوت المسئولية تبعاً لما عند الإنسان من علم، وتبعاً لموقعه وولايته، وتبعاً لعدة أمور يختلف فيها الناس ولكن تبقى بعد ذلك المسئولية مشتركة، فالمسلمون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم) فكل واحد من أبناء هذه الأمة يتكلم باسم الأمة، فهو عندما يجير رجلاً يُقبل جواره، وعندما يسعى بذمة المسلمين فهو أيضاً يتكلم باسم المسلمين، فهم يد واحدة على من سواهم.
وهذه معان أظن أنها بدهية، ولكن -أيضاً- مما نعاني منه غربة مثل هذه المفاهيم، والتي هي أحوج ما تكون الأمة إليها حتى تنهض من سباتها.
ولكننا عندما نخاطب الناس -سواء خطاباً عاماً أو خطاباً خاصاً- على اختلاف طبقاتهم نجد التهرب من المسئولية والتخلي عن هذه المسئولية وإلقاء المسئولية على الآخرين، ومحاولة اكتشاف أعذار ومبررات تخلص المرء من أن يتحمل هذه المسئولية ليلقيها على غيره، وهذا التهرب له أسباب، فما الذي يدعو المرء إلى أن يتهرب من المسئولية ويحاول أن يلقي بها على غيره؟ أحياناً يكون المرء لديه شبهة، فيرى أنه لا ينبغي له أن يأمر وينهى لقلة علمه، أو لأنه وقع في معصية أو لغير ذلك، فهو يعتقد أصلاً أنه غير مخاطب بهذا الأمر وأن واقع المسلمين واقع مؤلم وأنه يجب إعادة الأمة إلى مكانها الطبيعي، ولكن يرى أن الأمر يُخاطب به غيره، وأنه غير مخاطب.
وأحياناً يعلم ويدرك أن المسئولية مناطة به ولكنه يحاول أن يتنصل؛ لأنه لا يتحمل تبعات هذه المسئولية، والقضية ليست قضية يسيرة، أعني عندما نطالب بإعادة صيا