للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بين حسن الخلق ومجالسة المنحرفين]

بقيت نقطة أخيرة أرجو الانتباه لها؛ لأنها أحياناً تكون عائقاً عما قلناه قبل قليل من ضرورة حسن الخلق والبشاشة والطلاقة مع هؤلاء، وأيضاً قد يفهم ما قلناه فهماً سلبياً، فيتجاوز بعض الشباب في ذلك، وهي: بين ترك الجليس وحسن المعاملة: نعلم جميعاً أثر الجليس السيئ، وأن الشاب يجب أن يجتنب هذا الجليس، وأن يحذر منه ولا يجالسه، وندرك جميعاً خطر هذا علينا خاصة في مرحلة الشباب ونحن في مقتبل العمر، وأن الكثير من الشباب الذي ينحرف بعد أن هداه الله قد يكون سبب ذلك أمثال هؤلاء الجلساء.

فحينئذٍ يتساءل بعض الشباب فيقول: هل تريدني أن أجلس مع هؤلاء وأعاشرهم حتى يهديهم الله سبحانه وتعالى، أم غير ذلك؟ أنا أقول: يجب أن نفرق بين قضيتين: بين قضية البشاشة وحسن الخلق والتقدير، وبين قضية الجلوس معهم، فمثلاً: ما الذي يمنع أن تبدأ بالسلام وتبتسم، ثم بعد ذلك تودعه وتنصرف؟ ليس بالضرورة عندما نقول: كن حسن الخلق معه أن تقضي الوقت معه، فهذا زميلك في الفصل أو في المدرسة من هؤلاء وغيرهم عندما تلقاه تبدأه بالسلام وتبش له وتبتسم له وتصافحه، ثم بعد ذلك تودعه.

فلا يعني بالضرورة عندما نطالبك بحسن الخلق أن تقضي وقتك معهم، بل أنا لا أدعو الشباب إلى ذلك، خاصة في هذه المراحل الأولية، فلا أدعو الشاب إلى أن يقضي وقتاً طويلاً مع أمثال هؤلاء، فإنه قد يتأثر من حيث يريد أن يؤثر، يعني: يمكن أن تناصحه، وأن تدعوه مع إخوانك الطيبين إلى مجالات الخير، لكن لا تقضي وقتك معهم، أو لا تذهب وحدك مع هؤلاء فتكون وحيداً، فإنك قد تتأثر بما عند هؤلاء، وقد يستجرك الشيطان بحجة الدعوة والتأثير عليهم خطوة خطوة حتى تقع في فخ هؤلاء، فتصبح بعد ذلك تجالسهم حباً لما عندهم، بل قد ينتقل الأمر بعد ذلك إلى أن تجالسهم حباً لممارسة الشهوات التي يمارسونها.

لذا أرجو أن تفهم هذه القضية جيداً، ففرق بين حسن الخلق والطلاقة والبشاشة، وبين ترك مجالستهم، وأظن أن قضية ترك مجالستهم ومعاشرتهم لا تعني أن تكون مكفهر الوجه، لا تؤدي عليهم السلام، ولا تحسن الخلق معهم، فإن هؤلاء مسلمون، عندهم جوانب خير وجوانب طاعة، ولهم من الولاء -على الأقل- بقدر ما عندهم من الإسلام.

وقد جاء رجل فاستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) فلما دخل هش له صلى الله عليه وسلم وبش، فلما خرج الرجل سألت عائشة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبب هذا التغير، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة! شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه)، والحديث رواه البخاري وغيره.

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بئس أخو العشيرة)، ومع ذلك يحسن معاملته والبشاشة له، ففرق بين الأمرين، يحسن معاملته اتقاء فحشه، فمن يحسن معاملة صاحبه رجاء هدايته ورجاء أن يهديه الله على يديه أولى من ذلك، أو -على الأقل- أظن أن هذا الحديث يدلنا على مشروعية حسن الخلق، وحسن معاملة هؤلاء، وإن كان عندهم ما عندهم من الفسوق والعصيان، فنحسن معاملتهم، ونشعرهم بأننا نحبهم، ونحب جوانب الخير فيهم، وإن كنا نكره ما عندهم من المعصية، وإن كان عندنا -لا شك- شعور بقدر من الكره والبراءة مما هم فيه من العصيان، ومع ذلك تبقى قضية الولاء، فهو يقول: لا إله إلا الله، فهو يصلي، ويحب أهل الخير، وعنده جوانب من الخير يجب أن يمنح الحب لأجلها، ومع ذلك قضية حسن المعاملة وحسن الخلق أمر آخر، فأرجو أن يفهم ما قلته حتى لا يلتبس على الإخوة.