للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجود خلفية سابقة]

السبب الثالث: وجود خلفية سابقة سواء كانت حقيقية أو متوهمة: فمثلاً: أنت تأتي تريد أن تصلي الجمعة مع شخص، أو شخص يأتي إلى المجلس، أو مدرس يأتي إلى الفصل، أو إنسان يتحدث مع مجموعة في مناسبة، فيأتيك شخص قبل ذلك يقول: إن هذا عنده كذا وكذا وكذا، ويعطيك خلفية معينة عنه، فإنك عندما تسمع تنتظر الشواهد لهذه الخلفية التي وجدت عندك، فعندما يقول كلاماً، تقول: نعم، هذا أولاً ثانياً ثالثاً، إذاً صدق، وتصبح القضية مجزوماً بها، وهي مجرد خلفية كانت عندك، وقد تصل الخلفية عندك إلى حد اليقين، وليس لها أصل ولا مصدر في الواقع.

عندك نظرة عن فلان من الناس مثلاً أنه إنسان سيئ، أو إنسان مغرض، فعندما يتكلم، أو عندما تقرأ له، ستسمع وتقرأ بروح النقد.

أنا أجزم أني الآن لو آخذ كتاباً واحداً فيه أخطاء، وأعطيه لاثنين متساويين في الفهم والإدراك والتربية، فأعطيه للشخص الأول فأقول: خذ هذا الكتاب واقرأه، وأعطيه للشخص الثاني وأقول له: اقرأ هذا الكتاب لكن احذر، فالكاتب عليه ملاحظات؛ فأنا أجزم أن الشخص الثاني سيصل إلى نتائج وأخطاء لا يصل إليها الأول الذي أتى بدون خلفية مسبقة.

ثم إن الثاني قد يتكلف أخطاء ليست أخطاء في الحقيقة، ويصل إلى نتائج متوهمة أصلاً، لأنه كان عنده خلفية سابقة مبنية على أوهام.

إذاً: فيجب أن أتعامل مع الناس تعاملاً مجرداً، فأزيل هذه الخلفية، لأن الأوهام تتطور أحياناً حتى تصل إلى يقين لا نناقش فيه، وهو أصلاً ليس عنده استعداد أن يناقش في هذه الخلفية المسبقة أن هذا الكاتب -مثلاً- ينتمي إلى جماعة معينة، ويتبنى فكر هذه الجماعة وما تدعو إليه، وأن هذه الجماعة من الجماعات تقصد كذا، وأن هذا الرجل عنده كذا، وأن هذا الرجل له هذا الاتجاه الفكري، أو هذا الاتجاه العلمي، أو المذهبي، وإلى غير ذلك.

فلماذا هذه الخلفية تعشعش في ذهني، وتكون قاعدة انطلق منها في الحكم على الآخرين؟