[دروس من قصة يوسف عليه السلام]
أخيراً: ننتقل إلى دروس من قصة يوسف: أولاً: ضرورة البعد عن أسباب المعصية، فيوسف عليه السلام بعد أن نجح واجتاز هذا الابتلاء استبق الباب وأصبح يجري يريد أن يخرج من الباب، فلا بد أن يبتعد الشاب عن أسباب المعصية ودواعي المعصية، وهذه لعلها أن يكون لها حديث إن شاء الله في محاضرة لاحقة.
الأمر الثاني: ضرورة التضحية والتحمل، لا بد أن يتحمل المرء ما يلاقيه في الدعوة إلى الله، أو ما يلاقيه في طاعة الله عز وجل، أو ما يلاقيه في البعد عن المعصية.
فلا بد أن يتحمل ما يعانيه في نفسه من غليان الشهوة والتوقان إليها فيعصم نفسه ويجاهد نفسه ويتحمل، بل يتحمل الأذى الذي قد يصيبه في طاعة الله سبحانه وتعالى وفي ذات الله، وانظروا إلى النتيجة التي صار إليها يوسف عليه السلام: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ} [يوسف:٢١] مكن الله سبحانه وتعالى له بعد ذلك وأثابه الثواب العاجل في الدنيا: {وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف:٥٧].
فنتيجة هذه التضحية ونتيجة هذا التحمل لا شك أنها ستكون بعد توفيق الله سبحانه وتعالى الأجر العظيم والنجاح في مثل هذا الابتلاء، وستكون النتيجة الثمرة العاجلة التي يجدها المرء في الدنيا.
كذلك من الأمور المهمة: مراقبة الله سبحانه وتعالى، وأشرنا إلى ذلك.
أيضاً من الأمور المهمة: دعاء الله سبحانه وتعالى والاستعانة به.
الأمر الخامس: خطورة كثرة الخلطة والخلوة، فالذي دعا امرأة العزيز إلى أن تضحي وأن تتجرأ وتدعو وتُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ هو كثرة مخالطتها ليوسف عليه السلام، ومن هنا فيجب أن يحذر الشاب من كثرة مخالطة من قد تكون مخالطته سبباً للوقوع في المعصية.
فإذا رأى أن مخالطة فلان من الناس مدعاة لأن يقع في المعصية بصورة أو بأخرى فإنه عليه أن يتخفف من لقاءه بفلان من الناس أو على الأقل أن يحرص على أن لا يخلو به.
وهذه مكابرة مع النفس وفعلاً يصل المرء فيها إلى حالة قد لا يوفقه الله ولا يعينه؛ لأنه لم يسلك أسباب التوفيق، فهو يرى مثلاًَ أن مخالطته لفلان من الناس مدعاة لأن يقع في المعصية، ومع ذلك تجده يخالطه بل قد يخلو به ويجلس معه كثيراً ويبدأ يعيش في صراع، الحل: هو أن يتخلى من مثل هذا اللقاء ومن كثرة المخالطة.
الأمر السادس: عدم استغناء العبد عن الله سبحانه وتعالى مهما بلغ من الإيمان والتقوى والطاعة، فالله عز وجل يقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء:٧٤] فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستغني عن الله سبحانه وتعالى ويحتاج إلى تثبيت الله عز وجل فغيره من باب أولى، ومن هنا: فمن أكبر المخاطر على العبد المطيع لله هو غروره وإعجابه بنفسه وتقواه وطاعته، فإنه عندما يعجب بنفسه ويثق بنفسه: أولاً: هذا بحد ذاته ذنب يؤاخذ عليه.
الأمر الثاني: أنه عندما يعجب بنفسه يكله الله إلى نفسه فكأن هذا الإنسان الذي أعجب بنفسه يرى أنه مستغن عن الله وأن الناس الذين يحتاجون أن يدعوا الله ويسألوه الهداية هم أولئك العصاة أولئك الفساق أما هو فقد من الله عليه بالهداية، كما يقول كثير من الناس: أنا الآن الحمد لله عرفت الخير والشر وإنسان ماسك نفسي.
وهي كلمة يقولها كثير من الشباب عندما تتحدث معه فنقول: لا يا أخي! لا عصمة لأحد إلا بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، فإذا كان يوسف عليه السلام يحتاج إلى أن يريه الله برهان ربه وأن يصرف عنه السوء والفحشاء، فأنت مهما بلغت من الإيمان والتقوى والطاعة لا يمكن أن تصل إلى منزلة يوسف عليه السلام.
إذاً: فهو عندما يعجب بنفسه فإن الله سبحانه وتعالى يكله إلى نفسه.
الأمر الثالث: أنه عندما يعجب بنفسه لا يأخذ بالأسباب، فالذي يجعل مثلاً الإنسان يسلك أسباب ترك المعصية ويجتنب كل دواعي المعصية ومثيرات المعصية هو أنه يخاف وأنه لا يثق بنفسه ولا يطمئن إليها أقول: فمن نتائج الإعجاب بالنفس أن هذا الذي يعجب بنفسه لا يمكن أن يسلك الأسباب التي تبعده عن المعصية؛ لأنه يرى أنه ليس محتاجاً إلى ذلك وأنه واثق من نفسه وأنه يملك إيماناً يعصمه من مواقعة هذه المعصية.
الأمر الرابع: أن هذا هو سبب أول معصية وقعت وهي معصية الشيطان، فإنه لما أعجب بنفسه أضله الله سبحانه وتعالى إلى يوم الدين.
ومن هنا فيجب -أيها الإخوة- أن لا نثق بأنفسنا في هذه القضية وأن نتهم أنفسنا وأن نخشى من الله سبحانه وتعالى ونكون على وجل دائماً حتى يرى المرء اليقين، ولا يمكن أبداً أن يستغني المرء عن رحمة الله عز وجل وعن توفيقه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).