للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لأن الإسلام أولاها العناية والاهتمام]

ثالثاً: نتحدث عن الفتاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوليها العناية والاهتمام اللائق بمقامها، ففي كل عيد يخطب فيه كان يتحدث مع الرجال ثم ينصرف إلى النساء فيحدثهن ويعظهن، وتستغل النسوة هذا الأمر، وتتطلع إلى المزيد، فتبعث إحداهن لتقول له صلى الله عليه وسلم: ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا منك يوماً، فيواعدهن صلى الله عليه وسلم ويلقاهن يوماً يخصهن بحديث خاص لا شأن للرجال به.

وحين نتصفح دواوين السنة، ونقرأ ما سُطّر فيها نرى الكثير من النصوص التي توصي بحقكِ ورعايتكِ والعناية بك، ولقد كان صلى الله عليه وسلم في مجمع عظيم في حجة الوداع يجعل قضية المرأة من أهم القضايا، فيقول صلى الله عليه وسلم: (الله الله في النساء، اتقوا الله في النساء).

ويجعل صلى الله عليه وسلم المرأة معياراً تقاس من خلاله خيرية الرجل، فيقول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) بل إن الأمر يتجاوز مجرد هذا التوجيه لنرى هديه صلى الله عليه وسلم العملي، ونرى تلك المكانة التي يوليها المرأة فيحبس صلى الله عليه وسلم جيشه ويؤخرهم لأن عقداً لزوجه عائشة قد انقطع، فيأتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عائشة فينتهرها ويقول: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء.

ثم حين أقاموا الجمل وجدوا العقد تحته وقد فقدوا الماء، ونزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.

إن آية التيمم يا فتاة والتي بعد ذلك أصبحت باباً من أبواب الفقه يتعلمه الصغير والكبير، المرأة والرجل، يتعلمه الجميع؛ كان بركة من بركة تلك المرأة الصالحة، أليس في هذا علو لشأن المرأة ورفعة لمكانتها؟ ويرتفع شأن المرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم منزلة أعظم من ذلك كله، فتأتي أم هانئ رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: (زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فيقول صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ).

نعم يا فتاة هكذا كان صلى الله عليه وسلم يرفع شأن المرأة، إن كلمة هذه المرأة أصبحت نافذة على المسلمين كلهم جميعاً، فلا يجوز لهم أن يخفروا جوار هذه المرأة أو ذمتها، ويصدِّق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحكم وعلى هذا الأمان الذي تمنحه هذه المرأة أفبعد ذلك كله يحق لامرئ أن يهمل شأن المرأة ومكانتها؟ رابعاً: نتحدث عن الفتاة لأنها أم المصلحين والدعاة، أسمعتِ يا فتاة عن المصلحين والمجددين؟ أقرأتِ سير المجاهدين الصادقين؟ وهل خفيت عليكِ صفحات العلماء العاملين؟ تأملي في التاريخ وارفعي الرأس وانظري إلى سماء أمتكِ لتري هناك نجوماً تلوح في الأفق ساهمت في صياغة تاريخ الأمة وصناعة مجدها، وخطّت صفحاته البيضاء، فليس يغيب عن ناظريكِ أبداً اسم عمر بن عبد العزيز والشافعي والإمام أحمد وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم، ممن حاز قصب التجديد وأخذ منه بنصيب وافر، ولن تنسي سير نور الدين الشهيد أو صلاح الدين أو الغزنوي أو غيرهم ممن حمل روحه على كفه وسار في ميدان الوغى وشعاره: أذا العرش إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن أحن يومي سعيداً بفتية يُمسون في فج من الأرض خائف يتغنى بها صادقاً من قلبه، وقد صفا قلبه لإخوانه أهل الإسلام، وغلا مرجله على أهل الأوثان، وها هي صفحات سيرة أبي حنيفة ومالك وأحمد والعز بن عبد السلام، وغيرهم كثير ممن أراد الله بهم خيراً، ففقههم في الدين فساروا ينشرون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، وقبل أولئك كلهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يا فتاة كم تهزكِ هذه الأسماء هزاً، وكم تطرب أذنكِ ويتشنف سمعكِ حين تسمعين بها، لكن لا تنسي أن أولئك وغيرهم كان لكل منهم أم برة صادقة طالما دعت الله عز وجل أن يجعل ابنها قرة عين لها، وكان له شريكة حياته يسكن إليها ويطمئن إليها، وهي تقول له كل صباح: والله لا يخزيك الله أبداً، وتحتمل اللأواء معه فتصبر وتصابر وتكون خير زاد له ومعين، فإذا كنتِ أنتِ أم الدعاة وأم المصلحين، وأنتِ بعد ذلك الزوجة الوفية لهم، فيحق لنا يا فتاة أن نخاطبكِ ونخصكِ بالحديث.