للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زرع الثقة المحمودة في الأبناء]

أزمة الثقة: أجد يا أبت! فرقاً شاسعاً بين ما ألقاه منك من تعامل حين أكون مع الناس، وبين ما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا يا رسول الله! لا أؤثر بنصيبي منك أحداً، فتله، أي: وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده).

وروى الشيخان يا أبت! أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه: (من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، ومثلها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع في نفس ابن عمر -يا أبت- أنها النخلة، وكان أصغر القوم، فاستحيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها النخلة)، فحين خرج مع أبيه قال له ما كان في نفسه، فقال له أبوه: لئن كنت قلتها أحب إلي من كذا وكذا.

لقد تجرأ ابن عمر يا أبت! أن يحدث أباه بما دار في نفسه، ولو كنت مكانه لما تجرأت على ذلك، وشجعه أبوه أن يقول هذا الكلمة، وفي الوقت نفسه لم يعاتبه على ألا يكون قالها.

وكنت أقرأ في التاريخ يا أبت! عن سيرة أسامة بن زيد رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر، والأرقم بن أبي الأرقم، وعلي بن أبي طالب وغيرهم من شباب الصحابة الذين كانت لهم أدوار محمودة في تاريخ أمتهم، وفكرت يوماً من الأيام أن أتطلع لأكون مثلهم وأقتدي بهم؛ لكني وجدت أن أبي قد رباني على أني لست مؤهلاً إلا لإيصال الأهل إلى السوق، وإحضار الخبز إلى المنزل، وحتى الفاكهة لست مؤهلاً لشرائها من السوق فضلاً عن الذبيحة وما فوق ذلك، ومع ذلك لست مؤهلاً لاستقبال الضيوف، أو الجلوس معهم إلا حين أقدم القهوة والشاي فقط، وعلي حين ذلك أن أعلن الصمت المطبق إلا ما يكون استفساراً عن أمر يصدر لي من والدي.

ألا ترى يا أبت! أن هذا قد أدى إلى طمس الثقة بنفسي حتى أصبحت أشعر أني لست مؤهلاً لأي دور في الحياة؟!