للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم بأن اليأس مذموم]

أولاً: ينبغي أن ندرك أن اليأس مذموم، ولا يأتي إلا في مقام الذم عند الناس.

الناس حين يتخلصون أحياناً من ضغط الواقع ومؤثراته، ويفكرون تفكيراً مجرداً؛ فإنهم يرون أن وجود جذوة من الأمل والتفاؤل أمر مطلوب ولابد منه، فأن يعمل المرء ولا ينجح خير من أن يكون يائساً لا يصنع شيئاً ولا يعمل شيئاً.

واليأس لم يأت في نصوص الشرع إلا في مقام الذم والعيب، بل حين يصل بالإنسان اليأس إلى يأسه من روح الله ورحمة الله، فإن هذا من صفات الكافرين، كما قال عز وجل: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧].

وهذا حكاه الله عز وجل على لسان يعقوب، قاله عليه السلام حين أوصى بنيه أن يبحثوا عن يوسف بعد سنين طويلة مرت من يوم ألقوا فيها يوسف في الجب، وتخيلوا أنه قد هلك ومضى، فلما حصل ما حصل، وافتقد ابنه الآخر، قال: {يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف:٨٧]، حتى قالوا له: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:٨٥ - ٨٦]، وفعلاً كان الأمر كما كان يعلمه نبي الله يعقوب، وكما كان حسن ظنه بالله تبارك وتعالى.

فمن هنا ندرك أن اليأس لا يمكن أن يدفع للعمل، جميل أن ندرك سوء واقعنا، سواءً واقعنا الشخصي أو واقع مجتمعاتنا، ومن المهم أن ندرك حجم التحديات والمخاطر التي تواجهنا، وحجم الانحراف الذي يصيب مجتمعاتنا، لكن ينبغي ألا يتجاوز هذا الإدراك حده؛ لأنه لا يمكن أن يدفعنا للعمل، بل سيدفعنا فيما بعد للقعود والاستسلام.

حين ندرك أن اليأس مذموم، ولا يأتي إلى في مقام الذم والعيب، ندرك أن اليأس لا يمكن أن يدفع للعمل، بل هو يدفع للقعود والتواني والكسل، وهذا الإدراك سيدفعنا هذا إلى أن نتجاوز حالة اليأس التي نعيشها.