للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التعامل مع المخالف]

المجال العاشر: التعامل مع المخالف: فتعاملنا مع المخالف قد نفتقد معه الاعتدال، وأهل السنة يرحمون الخلق ويحبون الحق، ومهما كان المسلم يبقى له حق، المسلم الذي وقع في بدعة من البدع له حق الإسلام، والبدعة تسلب من الولاء بقدر ما تلبس يه، ليس صحيحاً أن نحول هذا الإنسان إلى رجل أشد من الكفار، ونلغي ونسقط حق الإسلام؛ لأنه لابس ووقع في هذه البدعة، وقد يكون وقع فيها عن اجتهاد وعن حسن نية، وقد يكون معذوراً فيها، وقع في هذا الأمر عن عذر، وقل مثل ذلك في أصحاب المعاصي، في أصحاب الفسوق، قل مثل ذلك فيمن يخالفنا في الرأي، كثيراً ما نغلو ونفتقد الاعتدال في حكمنا على المخالف، سواء أكان ممن يلابس بدعة، أو كان -وهذا هو الأكثر- ممن لا يصل إلى هذا الحد، إنما هو من إخواننا، فنضخم الأخطاء ونحاول أن نربطها بأصل البدعة، حين يقع في خطأ من الأخطاء نربطه بأصل من أصول البدع، ونسعى إلى إبراز صورة مشوهة عن هذا الشخص، كيف يتعامل اليوم المسلمون مع من يخالفهم في الرأي؟! أعتقد أن هناك غلواً واضحاً بارزاً في تعاملنا مع من يخالفنا.

وعلى المستوى النظري نتحدث جميعاً عن حسن التعامل مع المخالف، وعن حسن التعامل مع من يخالفنا في الرأي، لكن في الواقع هناك ثغرات كبيرة، وكم تجد من الجفاء والغلظة وتفسير النوايا إلى آخره؛ لأن هذا الإنسان يخالف في الرأي فقط، وربما يتضح لهذا الإنسان بعد سنوات خطأ ما كان عليه، فيميل إلى ذاك الذي يعمله هذا الإنسان الذي يخالفه وكان يتهمه قبل بالتساهل، وكان يتهمه بالابتداع.

أنتقل بعد الإشارة إلى هذه المجالات التي يغيب فيها الاعتدال، وأعتقد أنها كلها يمكن أن نردها إلى عامل واحد، فالمشكلة في الاعتدال في تفكيرنا وفي رؤيتنا للأمور، وما ذكرناه إنما هو أمثلة ومجالات لهذا الغلو، وهذا التطرف إن صحت العبارة، ما ذكرناه هو ألفٌ وباء، ونحن نعيش في حياتنا الفكرية، وحياتنا الاجتماعية، نعيش قدراً من الغلو وقدراً من المجاوزة، لا أقصد الغلو في الدين، والغلو في العقيدة.

وفي العبادة، فهذا الأمر -كما قلت في المقدمة- آثرت ألا أتحدث عنه؛ لأنه قد لا يعنينا كثيراً، وأمره معروف، لكن الغلو والمبالغة في تفكيرنا وفي مواقفنا سمة نعاني منها كثيراً، ولعل ما ذكرناه من أمثلة يدل على ذلك.