للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف ابن عباس وأبي هريرة في مراتب العلم]

ابن القيم رحمه الله يعقد مقارنة بين ابن عباس وأبي هريرة فيقول: وأين تقع فتاوى ابن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوى أبي هريرة وتفسيره؟ وأبو هريرة أحفظ منه، بل هو حافظ الأمة على الإطلاق يؤدي الحديث كما سمعه ويدرسه بالليل درساً، فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه، وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الأنهار منها واستخراج كنوزها، وكلاهما على خير.

فهذا أبو هريرة رضي الله عنه أحفظ الأمة، لا يمكن أن يفوته حديث كما قال عن نفسه في البخاري، قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ابسط رداءك قال: فبسطت ردائي فقال بيديه هكذا، فضممته إلى صدري فما نسيت شيئاً سمعته بعد ذلك)، فـ أبو هريرة أحفظ الأمة على الإطلاق، لكنه في الفقه والاستنباط والفتاوى ليس مثل ابن عباس، كما أن ابن عباس رضي الله عنه ليس في الحفظ مثل أبي هريرة.

إذاً فهذا له ميدان وذاك له ميدان آخر، حتى داخل الإطار الواحد كإطار العلم حتى وجدنا أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نبغ وبرز في الجهاد، والآخر برز في الزهد، والثاني في الرحمة بالأمة، والثالث في الشدة في الحق إلى غير ذلك، وعندما نأتي إلى دائرة واحدة وميدان واحد نجد أيضاً أنه داخل هذا الميدان الواحد يوجد تفاوت، ففي ميدان العلم هذا أحفظ وذاك أفقه.

أمر وسع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي ولا شك أن يسع غيرهم وسواهم.