للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشكلة صديق السوء]

السؤال

هناك مشكلة يعاني منها الشباب وهي مشكلة صديق السوء الذي قد جعل كثيراً من الشباب ينحرفون عن الطريق السوي، تكلم حفظك الله عن هذه المشكلة؟

الجواب

هذه القضية من أكبر المشكلات التي يعاني منها الشاب، ومن أكبر الأمور التي تشكل ضغطاً عليه، فهي مشكلة له، وربما جزء من الشباب يشعر أن سبب دخوله في الدار أصلاً هي هذه المشكلة، ثم قد توجد معه المشكلة وهو هنا، ثم إذا خرج، يعني بعض الشباب قد يتوب وتتحسن أحواله، ويشعر فعلاً بالخطيئة والذنب، ويقرر أنه إذا خرج من الدار يعود إلى حياة أخرى، فإذا خرج عاد إلى أصدقائه ورفاقه السيئين، ثم عاد إلى ما كان عليه.

أول قضية يجب أن نشعر بها أن كل مشكلة نقع فيها لها حل، ولا يوجد مشكلة ليس لها حل، لكن أيضاً لا يعني هذا أن الحل سهل، فيجب أن نفرق بين قضيتين: بين شيء صعب وشيء مستحيل، فحينما أقول لك: المشكلة لها حل لا يعني هذا أنه حل سهل، بل هو حل صعب.

ومن الطبيعي عندما تقع في مشكلة كبيرة تحتاج أن تدفع ثمناً باهظاً لها، وطبيعي عندما تريد هدفاً كبيراً أن تدفع له ثمناً، فمثلاً إنسان صار له مشكلة وتحمل ديوناً، وصار عليه مبلغ كبير، وشعر أنه لابد أن يسدد هذا الدين، ودخل في أعمال تجارية وصار يعمل ويشتغل، يشعر هو أنه لكي يحل هذه المشكلة الكبيرة لابد أن يعمل عملاً مضاعفاً، ويبذل جهداً كثيراً، وكلما صارت لك مشكلة أكبر صرت تشعر أنت أن الجهد المطلوب منك لحل هذه المشكلة أكثر.

يعني أنت لا تتصور أن هناك حلولاً سهلة للمشكلة، وإذا كنت تريد حلولاً سهلة، فدع عنك التفكير في مشكلاتك، وتحمل أعباء المشكلات، وبعدين تحمل الثمن الباهظ لتدفعه في المستقبل.

وأنا سأقول لك حقيقة واحدة أتصور أنها من أفضل ما يعينك على التخلص من هذه المشكلة تماماً: أخبرنا الله تبارك وتعالى أن في يوم القيامة إذا جاء الناس وعاينوا ما عملوا، ورأوا ما قدموا، ورأوا حقيقة الحياة الدنيا، يبدأ كل إنسان يتبرأ ممن اتبعه، كما قال تبارك وتعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٦ - ١٦٧].

وكما قال تبارك وتعالى: {وَيَوْمَ يَعَظُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:٢٧]، فالإنسان عندما يصيبه شيء يعض على أصبعه، لكن هنا يعض على يديه كلها {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:٢٧ - ٢٩].

هذه حقيقة لابد أن تحصل يوم القيامة، أن يتبرأ الصديق الحميم، وتتقطع الأوصال بينهم، بل حتى يقولون لربهم تبارك وتعالى: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ} [الأعراف:٣٨]، يعني: الصديق الذي كان وإياه، والخليل الذي كان وإياه، يسأل الله عز وجل أن يزيده عذاباً؛ لأنه يرى أنه كان هو السبب في ضلاله.

إذاً: المقاطعة لابد أن تحصل، ولابد أن تتم، وستعلن على الملأ واضحة مكشوفة، وأنت لا بد أن تصل إلى هذه المرحلة، عرفت أنك لابد أن تصل إلى هذه النتيجة، لابد أن تعلن المقاطعة في الدنيا؛ فهي في الدنيا أهون عليك أولاً، ثم تؤدي ثمرتها وقيمتها، تقول: يا رب! إنني لأجل رضاك قاطعت أصدقائي، وتخليت عن جلسائي، وتخليت عن أولئك الذين أحبهم ويحبونني، وآلفهم ويألفونني، لكن إذا لم تعلن هذه في الدنيا والله ستعلنها يوم القيامة، وتعلنها حيث لا ينفع، يعني مجرد حسرة ومجرد ندم.

فإذا كانت قضية إنقاذ نفسك مهمة عليك، وإذا كنت تشعر فعلاً أنك تريد أن تتوب، وأنك تريد أن تجتنب طريق الضلالة، يا أخي! ادفع الثمن، أما إذا كنت تريد المطالب العالية بثمن سهل فلا يمكن أن تأخذها أبداً ولا تستطيع.

وأسهل لك أنك تتحمل الصعوبة التي تواجهها الآن من أن تتحمل عذاب الله عز وجل، الذي سيعيش فيه الإنسان خلوداً لا ينتهي أبداً، يا أخي! أيها أسهل عليك أن تتحمل قليلاً من الصعاب الآن، وتتحمل مشقات التخلي عن أهوائك، أو أن تكون يوم القيامة ممن {إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:٢٩]، ممن يعيش يتمنى أن يموت ولا يستطيع أن يموت، يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت، يتمنى أن يخفف عنه يوم واحد من العذاب ولا يخفف عنه.

فأنت لو فكرت في هذه القضية ووضعت الميزانين، شعرت فعلاً أن القضية لا تساوي شيئاً في الدنيا، وأنك تستطيع أن تتخلى عن كل الاعتبارات والعوائق، إذا شعرت أنك لابد أن