[التعريف بالمراهقة]
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
حديثنا بعنوان: المراهقون الوجه الآخر، وهو ليس حديثاً حول علم النفس، فالحديث حول هذه الموضوعات إنما يتحدث به المختصون، ويوجه إلى أصحاب الاهتمام، لكن ثمة قضايا تعنينا باعتبارنا مسلمين، ومن ثم لا يسوغ أن تكون حكراً على أهل الاختصاص.
الحديث عن المراهقة والمراهقون يكثر في هذا الوقت عند علماء النفس، وعند دعاة الإصلاح، وعند أهل التربية والتعليم، بل هو مع العصر الحاضر الذي نعيشه أصبح حديث الكثير من الناس، سواءً أكانوا شباباً يعيشون هذه المرحلة فيتحدثون عن همومها وآلامها ومشكلاتها، أم كانوا ولاة أمور يتحدثون عما يعانونه من أبنائهم وبناتهم أو كانوا أهل تربية وتعليم يبثون شكواهم حول ما يلقونه من الجيل الذين عامتهم من أهل هذه المرحلة.
سيطر على كثير من الناس -وتدعم هذا دراسات كثيرة في علم النفس المعاصر- أن مرحلة المراهقة أزمة ومشكلة، وحين يطلق لفظ المراهق فهو يعني عند الكثير الطيش والانحراف والشطط.
وأدى الغلو في هذا المفهوم إلى نتائج خاطئة فصار الأب يعتذر عن انحراف ابنه وعن صبوته بأنه مراهق، وحينما تتحدث مع أحد أولياء الأمور، أو مع أحد الأستاذة، أو مع أحد ممن يتولى مسئوليته في بلاد المسلمين؛ تتحدث معه حول شاب من الشباب، أو حول جمع من الشباب مبدياً شكواك بما تراه عليه يجيبك: إنه مراهق! وهذا يعني أن مرحلة المراهقة عذرُ لارتكاب الجريمة، عذر للانحراف، عذر للصبوة، عذر للطيش والغفلة، أو بعبارة أخرى: إن هذه المرحلة تعني التلازم مع هذه الحالة.
وحين يطلب منه أن يرتقي بابنه أو من يتولى تربيته مستوى أعلى ومرحلة غير تلك التي هو عليها يعتذر لك بأنه ما يزال شاباً مراهقاً.
فما مدى صحة هذه النظرة؟ أليس ثمة وجه آخر للمراهقين غير هذا الوجه الذي نراه؟ بين يدي مناقشة هذه القضية نعرج سريعاً على التعريف بالمراهقة: وهو مصطلح ورد في لغة العرب يقولون رهق أي: غشي ولحق أو دنا منه، سواءً أخذه أم لم يأخذه، والرهق محركاً السفه والخفة، وركوب الظلم والشر وغشيان المحارم.
وراهق الغلام قارب الحلم، ودخل مكة مراهقاً أي آخر الوقت حتى كاد يفوته التعريف، يعني الوقوف بعرفة.
وقد ورد هذا اللفظ أيضاً في كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه وتعالى: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ} [يونس:٢٦].
أي: لا يغشى وجوههم قتر ولا ذلة.
وأيضاً في قوله عن الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦].
وهي تعني هذه المرحلة التي هي قرب البلوغ، فرهق يعني دنا واقترب.
أما في علم النفس المعاصر: فهي المرحلة التي تلي البلوغ، وهي غالباً من الثانية عشرة إلى التاسعة عشرة أو الحادية والعشرين، فعلماء النفس يصنفون من كان في هذه السن مراهقاً تحكمه خصائص معينة وطبيعة معينة.
ما الفرق بين المراهقة والبلوغ؟ هناك من يعتبر أنهما مترادفان، وأن البلوغ يعني المراهقة، وهناك من يعتبر أن البلوغ هو العلامة المتميزة لبداية مرحلة المراهقة، ومنهم من يعتبر أن المراهقة أعم، فالبلوغ يختص بالنمو الجسمي أو النمو العضوي والجنسي، والمراهقة تشمل ما سوى ذاك.
وعلى كل حال لا يهمنا كثيراً الوقوف حول المعاني اللغوية لكن هذه إشارة سريعة للتعريف بالمقصود حول هذا، فحين يطلق علماء النفس مراهق فإنهم يعنون الشاب في هذه المرحلة.
أقول: نتيجة عوامل عدة تولدت نظرة شائعة عن المراهقة أنها تعني الصبوة والانحراف والطيش وأنه ليس فيها إلا هذا العبث.