صورة أخرى أيضاً: خالد بن الوليد رضي الله عنه كان في العراق واستنجد المسلمون الذين كانوا في الشام أبا بكر رضي الله عنه، فأمر خالداً أن يسير إليهم، فسار خالد رضي الله عنه بأصحابه مسرعاً في ٩٥٠٠، ودليله رافع بن عميرة الطائي، فأخذ به حتى انتهى إلى قراقر وسلك به أراض لم يسلكها قبله أحد، فاجتاب البراري والقفار وقطع الأودية وتصعد على الجبال، وسار في غير مهيع أي: في غير طريق بين، وجعل رافع يدلهم في مسيرهم على الطريق، وهو في مفاوز معطشة، وعطش النوق وسقاها الماء عللاً بعد نهل يعني: شربة ثانية، والنهل أول الشراب، يعني: يسقيها تارة ويتركها تارة، وقطع مشافرها حتى لا تحتز رحل أدبارها واستاقها معه، فلما فقدوا الماء نحرها فشربوا ما في أجوافها من الماء، ويقال: بل سقاه الخيل وشربوا ما كانت تحمله من الماء وأكلوا لحومها، ووصل ولله الحمد والمنة في ٥ أيام، وكانت طريقه في صحراء قاحلة، حتى أشار عليه كثير من الناس أن لا يقطعها.
إنها صورة من تلك التربية الجادة التي تتخذ القرار الحاسم في ذاك الموقف، ولم يكن خالد وحده بل كان الجيش معه كلهم على هذا المستوى، وإلا لقالوا له كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.