وأما واقعهم العملي وتاريخهم فخير شاهد على ذلك: لقد كانوا يتصدرون لتعليم الناس، ويقضون نفيس أوقاتهم في ذلك، وهذا لا شك من العمل، ومن خير العمل الذي يقدمونه للأمة، وما هذا التراث الذي نراه بين أيدينا من التصنيف والتأليف والتعليم إلا جزء من نتيجة هذا العمل الذي كان يبذله سلف الأمة ويتواصون به.
كانوا أيضاً قائمين بالحق محتسبين على العامة والخاصة منكرين لمنكرات العامة، والمنكرات الخاصة، ونحفظ جميعاً مواقف خالدة لأهل العلم في إنكار المنكرات وقول الحق والوقوف في وجوه الفجرة والظالمين، نرى ونقرأ أيضاً في التاريخ أنهم كانوا في الصفوف الأولى من المعارك.
فلعلنا مثلاً نقرأ في سيرة صلاح الدين الذي حرر الله عز وجل على يديه بيت المقدس من الصليبين أنه كان في مقدمة صفوفه الفقهاء والمحدثون والعلماء حتى أمر أحد المحدث أن يحدث ويقرأ وهو بين الصفين ثم قال: هل سمع أحد في هذا الموطن؟ قال: لا، فصار يفتخر صلاح الدين رحمه الله أنه أول من سمع الحديث وهو بين الصفين وقد التحمت السيوف.
إذاً: كان أهل العلم عاملين فكانوا سباقين في تعليم العلم في التصدي للناس ونفعهم والإحسان إليهم في قول كلمة الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التجديد لهذا الدين، وكم صفحة مرت على هذه الأمة احتاجت إلى مجدد ليرفع الغشاوة عن هذه الأمة، فقام أهل العلم بالعمل وتحملوا ما تحملوا من مضايقة الناس ونقدهم وعيبهم والتشكيك في نواياهم، والطعن فيهم، فقد واجه عبد الغني المقدسي رحمه الله ما واجه، وواجه شيخ الإسلام ابن تيمية ما واجه، وواجه محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما واجه، وكل المصلحين الذي مروا على تاريخ هذه الأمة واجهوا ما واجهوا من الطعن والتشكيك في نواياهم، وتآمر أهل السوء وأهل البدعة وأهل الهوى عليهم، ومع ذلك ما ضرهم شيئاً، وتحملوا ذلك كله في ذات الله سبحانه وتعالى، فقد كان همهم وداعيهم هو العمل.