ضرورة إعطاء الأهل والأبناء جزءاً من الوقت لتربيتهم، والنظر في أمورهم
أعطني جزءاً من وقتك: كم هما شخصيتان مختلفتان: شخصية أبي حين يكون مع أصحابه وزملائه، يتحدث وإياهم بكل انبساطة وسعة بال، وقد علته ابتسامة مشرقة.
والشخصية الثانية لأبي نفسه حين يجلس معنا، فلا نراه إلا على وجبة الطعام، والسكوت قد خيم على الجميع، ولا يقطعه إلا الأوامر التي ترد منه تارة وتارة، وأما أن يصحبنا في نزهة، أو يباسطنا الحديث، أو يسأل عن أحوالنا فهذا ما لا يمكن.
إنني حين أراك يا أبت! مع أقرانك يؤسفني أني أقول: إني أحدق النظر فيك وأعيده مرة أخرى: أهذا هو أبي فعلاً؟ لقد كنت أشعر يا أبت! أني يتيم حين حفظت في المدرسة قول الشاعر: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا يا أبت! اُقترح عليك أن تمسك ورقة وقلم وتسجل فيها كم ساعة تقضيها في العمل الرسمي من وقتك؟ ثم كم ساعة للراحة؟ وكم ساعة للزملاء؟ وكم ساعة لمشاغلك الخاصة؟ وأخيراً كم ساعة لتربية أبنائك؟ أخشى أن تجد إجابة مزعجة يا أبت! أخبرك عنها سلفاً؛ لأني أعرفك جيداً، ستجد أن وقت التربية إن استطعت أن تحسبه لا يمثل إلا نسبة تافهة من وقتك لا تستحق الذكر، أهكذا قدر التربية عندك يا أبت؟ ثم هل فكرت يا أبت! أن تقرأ كتاباً عن التربية وأسسها، أو تسمع شريطاً كذلك؟ أهكذا قدر أبنائك وقيمتهم لديك؟! يا أبت! لقد دعاني هذا الأسلوب إلى أن أمنح زملائي الثقة المفرطة، وأن استأمنهم على مشكلاتي، وأستشيرهم في أموري، وأستأمرهم في قراراتي، مع أنني أدرك أن أبي أكثر خبرة، وأصدق لهجة، وأعمق نصحاً من زملائي، ولكني لا أجد الوقت المناسب له لأفاتحه الحديث، ولو وجدت الوقت المناسب لكانت أمامي العقبة الآتية: