إن أول قضية من قضايا المنهج عند الأنبياء: هي قضية التوحيد.
فهي قضية القضايا في دعوة الأنبياء، وهي الأساس الذي دعا إليه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، يقول الله سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:٣٦] ففي كل أمة خلت ومضت بعث الله عز وجل نبياً يدعو إلى عبادته والكفر بالطاغوت وينفي سبحانه وتعالى -وهو أعلم برسله- أن يكون أرسل رسولاً بغير شهادة التوحيد:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:٢٥].
وفي قصص الأنبياء المتعاقبة يذكر الله سبحانه وتعالى أن كل نبي قد قال لقومه أول ما قال لهم:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:٥٩] فما دام كل نبي بعث من أجل التوحيد وأرسل من أجل شهادة أن لا إله إلا الله، فمن يسير على منهجهم ويتبع خطاهم ما لم تكن قضية التوحيد هي القضية الأساس لديه، والأول في سلم اهتماماته فليعد النظر في منهجه، وهانحن نرى في عصرنا الحاضر صوراً صارخة من العدوان على التوحيد وركوب الشرك والطاغوت: أليس من المناقضة لأصل التوحيد ما نراه من أولئك الذين يمرغون جباههم أمام الأضرحة ساجدين أو متبركين بتربة ضريح ولي أو إمام؟! أو أولئك الذين يتوجهون لهم بالدعاء من دون الله عز وجل معتقدين فيهم قضاء الحاجات، وتنفيس الكربات؟! كم في بلاد الإسلام من طواغيت تشد إليها الرحال وتعقد عليها الخناصر، أفيسوغ أن تقوم دعوة من الدعوات وتجعل هذه الصورة الصارخة من الشرك المناقض للتوحيد قضية هامشية أو جزئية من جزئيات الدعوة.
ومن صور العدوان على التوحيد: ما يعتقده أهل الخرافة أن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن أوليائه يعلم أحد منهم الغيب أو يملك ضراً ونفعاً، أو أولئك الذين يفضلون كلام البشر وما ابتدعوه على كلام الله عز وجل، أتكون تلك الدعوة التي تحمل بين صفوفها بعض هؤلاء، أو تلتقي معهم أو تهادنهم وتجاملهم أتكون دعوة تسير على منهج الأنبياء؟! ومن صور العدوان على التوحيد والولوغ في الشرك: ما يعتقده الرافضة من تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوباً، وأصدقها لهجة، وما يتعبدون فيه لله بزعمهم من سب خيرة الخلق والتنقص لهم، واعتقاد أن أئمة لا يجاوز عددهم عدد شهور العام هم المعصومون الذين يعلمون الغيب والناس بهائم لا عقول لهم وليس عليهم إلا أن يسيروا ورائهم، وكم يفعل هؤلاء عند البقيع أو عند أضرحة أئمتهم مما يتفطر له قلب كل مخلص أفتكون تلك الدعوة التي تصور الخلاف هؤلاء خلافاً جزئياً أو تلك التي تداريهم أو تسكت عن شركهم وضلالهم أتكون دعوة على منهاج النبوة؟! ومن صور العدوان على التوحيد والجرأة على الشرك: اتخاذ طائفة من البشر أنداداً من دون الله يشرعون ويحلون ويحرمون فيصدرون قانوناً يبيح ما حرم الله عز وجل ويحرم ما أباح الله، ويبدل شرع الله سبحان وتعالى ويصبح هذا القانون شرعاً مطاعاً عند الناس متبعاً يقاد الناس إليه ويخضعون له ويجرمون ويبرئون على أساسه، فهل عرفت البشرية شركاً ومناقضة للتوحيد ومضاهاة لله سبحانه وتعالى في ربوبيته وأمره جل وعز أكبر وأشنع من هذا الشرك والعدوان على مقام الربوبية؟! لقد قال الله عز وجل عن أولئك الذين أطاعوا أحبارهم ورهبانهم في إباحة بعض ما حرم وتحريم ما أباح:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}[التوبة:٣١].
وقال مخاطباً للمؤمنين أنهم لو أطاعوا المشركين في إباحة مسألة من المسائل -أكل الميتة- أنهم مشركون:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام:١٢١] فكيف بمن شرع وأحل وحرم وبدل شرع الله عز وجل وصير ذلك شرعاً يقاد الناس إليه ويخضع الناس له أليس هذا أصرخ عدواناً وجرأة على مقام الربوبية وعلى مقام الله سبحانه وتعالى؟! إن الدعوة التي تسعى للالتقاء مع هؤلاء في منتصف الطريق، أو ترى لها مسوغاً في السكوت عن شركهم وضلالهم دعوة بعيدة كل البعد عن منهج الأنبياء.
إن الذي يدين الله سبحانه وتعالى بالعقيدة الإسلامية ويتخذها منهجاً ونبراساً له ما لم يتخذ موقفاً واضحاً محدداً من أعداء العقيدة سواءًَ أكانوا عباد قبور وأضرحة، أو كانوا سبابة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كانوا باطنيين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر المحض، أو كانوا من المغضوب عليه والضالين إخوان القردة وعباد الصليب؛ إن الذي لا يتخذ من أولئك موقفاً واضحاً محدداً ليس إلا جاهلاً ببدهيات العقيدة مما لا يعذر مسلم بجهله، أو متاجراً بدعوى اتباع العقيدة والدعوة إليها أليس الأنبياء كلهم جميعاً قد بعثوا لعبادة الله واجتناب الطواغيت فأين اجتناب الطوا