[تأثر هذه الدراسات بشخصية الباحثين الغربيين]
ثانياً: العلوم الإنسانية تتأثر بشخصية الباحث فالذي يبحث في أي فرع من فروع العلوم الإنسانية فلا يمكن أن يتخلص من شخصيته كنظرته مثلاً للإنسان، نظرته للأديان، نظرته للأخلاق للسلوك، لكل هذه الاعتبارات.
ولما كان هذا العلم وليد حياة أولئك فهو لا يعدو أن يكون انعكاساً لنظرتهم تجاه الإنسان وتجاه الدين والأخلاق، ومن أوائل علماء النفس الغربيين الذين عنوا بالمراهقة عالم غربي اسمه استان ليبول ألف كتابه عام ١٩١٧م للميلاد، يقول فيه عن مرحلة المراهقة: والمراهقة فترة عواصف وتوتر وشدة تكتنفها الأزمات النفسية وتسودها المعاناة والإحباط والصراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق.
ويرى آخر وهو قراندر والذي كتب كتابه عام ١٩٦٩م للميلاد أن المراهقة مجموعة من التناقضات.
ويشبه البعض حياة المراهق بحلم طويل في ليل مظلم تتخلله أضواء ساطعة تختطف البصر أكثر مما تضيء الطريق، فيشعر المراهق بالضياع ثم يجد نفسه عند النضج.
ويصفها البعض بأنها مرحلة جلود.
ويعتبر استان ليبول الذي أشرنا إليه قبل قليل أن جميع المراهقين مرضى ويحتاجون إلى المعالجة الطبية والنفسية.
إن هذه الأقوال وغيرها لا يمكن أن تفصلها عن شخصية أولئك الذين قالوها، فهم ممن نشئوا في تلك المجتمعات والبيئات.
أمر آخر: أن هذه الدراسات الإنسانية تتم على تلك المجتمعات، فالذين خرجوا لنا بهذه النظريات قاموا بدراساتهم في بلاد الغرب، وفي المجتمعات الغربية، فهم أجروا هذه الدراسات على مجموعات من المراهقين والمراهقات الذين يعيشون في تلك المجتمعات، وهل يسوغ مثلاً أن نعمم النتائج التي وصلنا إليها في تلك المجتمعات على واقع المسلمين؟ هل يسوغ مثلاً أن نقارن بين مراهق يعيش في بلاد المسلمين، ومراهق يعيش هناك في بلاد الغرب؟ إن العالم الغربي يعيش عالماً من الضياع والانهيار، خاصة في أوساط الشباب والشابات.
ويوضح هذا تصريحٌ مشهور أطلقه الرئيس الأمريكي جون كنيدي عام ١٩٦٢م للميلاد مع أن الواقع قد تغير كثيراً الآن، يقول فيه: إن مستقبل أمريكا في خطر لأن شبابها منحل غارق في الشهوات، لا يقدر المسئولية الملقاة على عاتقه، وأنه من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية.
فمن بين كل سبعة من الشباب لا يوجد إلا واحد فقط صالح للجندية، ثم هذا الواحد الصالح للجندية لا يعني أنه عفيف طاهر نزيه، لكن مستوى إقباله على الشهوات لم يصل إلى ذاك الحد الذي يمنعه من الدخول إلى الجندية.
وتعرفون أنتم أن الشواذ جنسياً لا يزالون يطالبون بإعطائهم الحق في الالتحاق بالقوات المسلحة الأمريكية، وفي نفس العام أصدر الرئيس السوفيتي خروتشوف أيضاً تصريحاً شبيهاً بهذا فيقول: إن مستقبل روسيا في خطر، وإن شباب روسيا لا يؤمن على مستقبله لأنه منحل غارق في الشهوات، وأهم أسباب ذلك الفوضى الجنسية والخيانة الزوجية.
المقصود من هذا أن هذا الجيل من الشباب الذي يصفه قادته بهذا الوصف هو الذي تجرى عليه الدراسات، وأن النتائج التي يصل إليها هؤلاء حينما يتحدثون مثلاً عن طبيعة المراهق عن طبيعة الإنسان في هذه المرحلة أو تلك فإنما يصلون إلى هذه النتائج بناء على دراسات يجرونها على مجموعة من المراهقين أو المراهقات الذين قال عنهم قادتهم ما قالوا، فهل يسوغ أن نعمم هذه النتائج على سائر المجتمعات؟ أيضاً من العوامل المهمة التي تؤثر في هذه النظرة سيطرة نظرية في علم النفس المعاصر تسمى نظرية التحليل النفسي، وهي نظرية العالم النفسي الشهير فرويد والتي تقوم على أساس التفسير الجنسي لسلوك الإنسان، يقول فرويد: إن حياة الإنسان هي حياة الجنس، وإن الجنس يبدأ مع الطفل وهو رضيع، فإن الرضيع يرضع ثدي أمه بشهوة جنسية، ويقضي حاجته بشهوة جنسية، وإن الرضيع يتعلق بأمه بشهوة جنسية.
وكذلك أيضاً الفتاة تتعلق بأبيها بشهوة جنسية ثم ينشأ من ذلك ما يسمى بعقدة أوديب والتي تتولد عند الطفل حين يحس أن أباه قد استأثر بأمه.
والأخلاق والدين والسلوك ليست إلا مظاهر لكبت الشهوات الجنسية، ومن ثم دعا إلى الإباحية المطلقة وصار يفسر سلوك الإنسان بتفسير جنسي وهو متأثر بنظرية دارون التي تقول بحيوانية الإنسان، وبالمناسبة فإن فرويد هذا كان أحد العلماء اليهود.
نظرية التحليل النفسي ونظرية فرويد سيطرت على علم النفس المعاصر وصارت تدرس هذه النظرية حتى في جامعات المسلمين، ولهذا صار ينظر إلى عالم المراهقة وعالم المراهقين من خلال هذه الزاوية.