للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم التخاذل عن نصرة الدين وخدمته]

أخيراً: إن إعراضك وإدراجك لنفسك ضمن قائمة غير الملتزمين ليس مبرراً لك حتى تتخاذل، إنك تأتي إلى المسجد، فترى فيه محاضرة، هذه المحاضرة سلكت خطوات في إعدادها، وفي الإعلان عنها، وفي دعوة المحاضر، وفي ترتيب اللقاء، إلى غير ذلك.

ترى مثل هذا المخيم الذي تستمع فيه لمثل هذه الكلمة، وترى الجهد الذي بذله الشباب الذين قاموا عليه، وترى من يوزع الشريط، وترى من يوزع الكتاب، تلقيت منه الشريط والكتاب، وترى زميلك في المدرسة ويده تمتد ليناولك كتاباً أو شريطاً، وتراه يحرك لسانه ليقول لك كلمة صادقة ناصحة، وترى الجهود تبذل لخدمة دين الله عز وجل هنا وهناك.

فما بالك لا تبحث لك عن موقع في هذا الميدان؟! نعم، إنني أقدر موقعك، وإنني لا أنتظر منك وأنت على هذه الحال أن تتحول إلى واعظ، أو تتحول إلى خطيب أو محاضر، أو رجل يتحدث باسم الإسلام، فيؤلف ويصنف ويكتب وينافح عن دين الله عز وجل، لا أريد ذلك، بل لو أردت ذلك لقلت لك: رويدك وليس هذا مكانك.

لكن تستطيع -أخي الكريم- أن تقدم خدمة جليلة لدين الله عز وجل، وتستطيع أن تساهم في خدمة دين الله سبحانه وتعالى.

نقرأ في تاريخ الذين ساهموا في خدمة دين الله سبحانه وتعالى، من الزهاد، والعابدين، والقانتين، والعلماء، والصالحين، وحفاظ كتاب الله عز وجل، وحملة العلم الشرعي.

ولكننا مع ذلك نرى نماذج من أولئك الذين لم يكونوا على حال من الصلاح والاستقامة، كانت لهم مساهمات في دين الله عز وجل، والوقت يطول، فلعلي أذكر مثلاً واحداً.

كان الإمام أحمد رحمه الله كثيراً ما يدعو لرجل يقال له أبو إسحاق، فكان يقول: اللهم اغفر لـ أبي إسحاق إذا قام وإذا جلس.

فسأله أحد أبنائه: من يكون؟ فكان ينتظر أن يكون زاهداً رأى منه الإمام رحمه الله قدوة في الزهد، أو قدوة في العبادة، وكان ينتظر أن يكون شيخاً للإمام أحمد تعلم منه علماً.

فأخبره الإمام أحمد رحمه الله أن هذا الرجل كان لصاً، وكان قاطع طريق، حينما جيء بالإمام أحمد رحمه الله ليجلد في فتنة خلق القرآن، جذبه بردائه، فقال: أتعرفني؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا أبو إسحاق العيار اللص الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني جلدت كذا وكذا في السرقة، ومع ذلك ما صدني ذلك، وأنت تجلد على كلمة الحق، فأنت أولى مني أن تثبت.

أرأيت هذا اللص الذي في السجن ولا يزال مصراً على جريمته، ومع ذلك يرى أنه يستطيع أن ينصر الإسلام، ويستطيع أن يقدم خدمة، وما هي هذه الخدمة؟ إنها ليست إقامة درس، ولا إلقاء خطبة، ولم يكن هذا الرجل مؤهلاً لذلك، إن هذه الخدمة كانت تتمثل بأن يقف مع الإمام أحمد رحمه الله، ويقول له تلك الكلمة التي زادته تثبيتاً، ولم يجد هذا اللص في تاريخه شيئاً يمكن أن يستثمره إلا تاريخه المليء بالإجرام والسرقة، فوظف ذلك التاريخ؛ ليكون شاهداً ومعيناً للإمام أحمد رحمه الله، بل تراه يستعين بتاريخه السابق السيئ فيقول للإمام أحمد: أنا وأنا صاحب المعصية والهوى أتحمل العذاب في سبيل السرقة، فأنت أولى مني أن تتحمل، وأنت تقول كلمة الحق! إننا نطلب منك أن تساهم، وأن تشعر أن الدين يعني الجميع، وأن الدين دين الناس جميعاً، وأنك ما دمت مسلماً فإنك ينبغي لك أن تسير مع القافلة، بل لعل هذا يكون بمشيئة الله عز وجل بداية خير وطريق توبة، فماذا عليك مثلاً لو أخرجت مبلغاً من المال -فهناك مبالغ كثيرة تقدم لزملائك بها بعض المشروبات والمأكولات، والذي تقدم أضعافاً منها لتكون وسيلة تشتري بها ما يعينك على المعصية- ماذا عليك لو أخرجت جزءاً من هذا المبلغ؛ فأعطيته أحد الصالحين والأخيار، أو أحد الدعاة إلى الله عز وجل، وقلت له: اصرف هذا المبلغ في الدعوة إلى الله عز وجل، وفي سبيل الله سبحانه وتعالى؟ ماذا عليك حين تستمع إلى شريط أن تهديه إلى أحد زملائك، وأن تشتري كتاباً، وأن تشتري شريطاً؟ ولو أردت مجال الخير وخدمة دين الله عز وجل؛ لاستطعت أن تجد الآلاف من الوسائل والسبل، فقد عهدناك مفكراً، وعهدناك مجتهدً في البحث عن شهواتك ورغباتك، بل أنت تبتكر، ولا ترضى بحال أن تستعير فكرة غيرك، فأنت كل يوم تخرج لنا بفكرة جديدة، وطريقة جديدة، فوظف هذا التفكير وهذا العقل لتقدم شيئاً يسيراً لخدمة دين الله سبحانه وتعالى، عل هذا يكون خطوة لك تنقلك إلى طريق الاستقامة والخير بإذن الله عز وجل.