نحن حينما نتكلم عن النجباء فإننا نعني بهم الذين يملكون قدرات خاصة، وطاقات خاصة من النبوغ والذكاء، أو قوة الشخصية، أو تحمل المسئولية، أو هو ما يسمى في مصطلح علم النفس المعاصر بالموهوب والمتفوق، ونحن نعيش ولله الحمد صحوة مباركة، ونعيش بداية شعور الأمة بانتمائها للإسلام وولائها للإسلام، وقد سارت هذه الصحوة ولن تتوقف بمشيئة الله تعالى، ولكننا بحاجة إلى بذل الجهد، وبذل العمل والوقت، وبالإضافة إلى ذلك نحن بحاجة إلى أن ندرس قضايانا، وأن نربي هذا الجيل الذي ينتمي إلى الصحوة تربية ناضجة، وأن نحرص قدر الإمكان أن نستغل الطاقات والمواهب ونوجهها الوجهة التي تجعلها بإذن الله قائدة ورائدة لهذه الصحوة، وأحسب أن هذا من تقوى الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل قال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، فنحن نستطيع أن نخطط، ونستطيع أن ننظر إلى المستقبل بنظرة فاحصة، ونستطيع أن نتجاوز السطحية ونتجاوز العجلة والتخبط الذي كثيراً ما تتسم به أعمالنا وللأسف، فنستطيع أن نملك قدراً من العمق والبعد في عملنا وفي نظرتنا للمستقبل وفي اكتشافنا لأخطائنا وفي معالجتنا لها، وفي نظرنا إلى قضايا الصحوة جملة، والله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن نتقيه بما نستطيع، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ونحسب أيضاً أن هذا من إتقان العمل.
إننا أيها الإخوة نتحمل مسئولية عظيمة تجاه الجيل اللاحق، وهؤلاء الشباب الذين أصبحوا يسيرون في هذا التيار لم تعد القضية مسئولية تربيتهم وحدهم، وليست القضية حمايتهم وحدهم، بل إن إعداد هؤلاء الشباب والعناية بهم إنما هو في الحقيقة إعداد للجيل اللاحق، هؤلاء الشباب هم في المستقبل قادة الجيل، منهم المفكرون منهم العلماء منهم قادة الأمة، فنحن حين ندعو إلى تحمل المسئولية التربوية، وحين ندعو إلى العمق في التربية، إلى إدراك المسئولية تجاه هؤلاء الشباب فإننا لا ندعو إلى تحمل المسئولية تجاه هؤلاء الشباب لذواتهم -وإن كانوا يستحقون، وإن كان الفرد المسلم يستحق حتى ينهى عن منكر، وحتى ينقل للهداية أن يبذل له الجهد الكثير- ولكن القضية أبعد من هذا كله، إنها مسئولية إعادة صياغة الجيل، ومسئولية إعادة بناء المجتمعات الإسلامية التي تعاني من الخلل، فنحن عندما نعد هذا الجيل ونربيه التربية الصحيحة السليمة فإننا حينئذ نساهم بطريقة مباشرة في إعداد وتصحيح الجيل اللاحق.
إن أي جيل لا بد أن يكون له قادة، ولا بد أن يكون له موجهون، وهؤلاء القادة إما أن يكونوا من العلماء المخلصين والدعاة والمفكرين الناضجين، وإما أن يكونوا من علماء السوء وعلماء السلطة، وإما أن يكونوا من المنافقين، وإما أن يكونوا من الأدباء الساقطين، وإما أن يكونوا من أي طبقة تعتلي عرش الشهرة وتتبوأ مراكز التوجيه وهي لا تستحقها، فلا بد أن يكون للمجتمع قادة، ولا بد أن يكون للمجتمع موجهون، ونحن الآن نستطيع أن نملك زمام المبادرة، فنعد هذا الجيل الذي نؤمل أن يقود المجتمع في المستقبل بإذن الله وهو قادر على ذلك، ونحن وحدنا معشر جيل الصحوة القادرون على صنع القادة؛ لأننا نملك الرصيد، ونملك ما تحتاج إليه المجتمعات الإسلامية وتفتقر إليه، فالشعارات العلمانية، والشعارات الأرضية قد أفلست، والأمة الإسلامية قد تجرعت الهزائم والويلات من هؤلاء، وأصبحت تتطلع إلى الإسلام ليقودها، وليحل لها مشاكلها، وليعيدها إلى مكانها الطبيعي.
ونحن هنا نملك المنهج، ونملك ما تتطلع إليه الأمة، ولكن هذا كله مربوط بإعداد الجيل الذي يكون عند مستوى تحمل المسئولية، إن مجرد التزام الإنسان بالإسلام، ووجود قدر من العاطفة مع ذلك، يضاف إليه قدر من الفصاحة والبلاغة يصدره المنابر ليس وحده هو المؤهل للقيادة، وليس وحده هو المؤهل لتحمل أمانة ومسئولية المجتمع.
ونحن حين نتحدث عن موضوع النجباء والعناية بهم، فلسنا نتحدث حديث المختصين في علم النفس، وحين يتحدث المرء في غير فنه -كما يقال- يأتي بالعجائب، فلست من المختصين بل لست من العارفين بهذا العلم وما يعنيه، فحينئذ لست أعني في حديثي ما يعنيه علماء النفس بالموهوبين بمعنى أوسع، إنما أعني فئة خاصة، أعني أولئك الشباب المستجيبين لتيار الصحوة، والذين يملكون قدراً من النبوغ، والذين يملكون قدراً من قوة الشخصية، والذين يملكون مؤهلات -أياً كانت هذه المؤهلات- تؤهلهم أن يساهموا في قيادة المجتمع ويساهموا في بناء الأمة، فإننا في واقعنا نظلم هؤلاء كثيراً، ونعطل هذه الطاقات كثيراً، ومن هنا كنا بحاجة إلى أن ندرس حالنا مع هؤلاء حتى نستفيد منهم.