للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الورع يحتاج إلى الدليل]

القاعدة الخامسة: أن الورع إنما هو بأدلة الكتاب والسنة.

قال رحمه الله: الجهة الثانية: من الاعتقاد الفاسد أنه إذا فعل الواجب والمشتبه وترك المحرم والمشتبه.

أي أن المشتبه يأتي في الواجب ويأتي في المحرم، يأتي في الواجب باعتبار أنه مشتبه هل هل هو واجب أو سنة، وحينها ينبغي على الإنسان أن لا يتركه، حتى لا يتعرض للذم والعقوبة.

والمشتبه في التحريم وهو الإطلاق الغالب والأعم ما يشتبه بتحريمه.

يقول: أنه إذا فعل الواجب والمشتبه وترك المحرم والمشتبه فينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب والسنة، وبالعلم لا بالهوى، وإلا فكثير من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادة ونحوها، فيكون ذلك مما يقوي تحريمها واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة، فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد، فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} [النجم:٢٣].

ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، لما ترخص في أشياء فبلغه أن أقواماً تنزهوا عنها فقال: (ما بال أقوام يتنزهون عن أشياء أترخص فيها، والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله وأزكاهم).

وفي رواية: (أخشاهم وأعلمهم بحدوده له).

وكذلك حديث صاحب القبلة، ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار، وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم.

إذاً قد يكره الإنسان أمراً، وقد ينفر عن أمر فيتورع حينئذ عنه ومستنده ليس الكتاب والسنة، وضرب شيخ الإسلام أمثلة على ذلك، بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أن أقواماً تنزهوا في أمر ترخص فيه صلى الله عليه وسلم) ومثل الحديث المشهور عن الثلاثة الذين جاءوا فتورع أحدهم عن أكل اللحم فقال: لا أكل اللحم، وقال الآخر: لا أصوم ولا أفطر، وقال الأخر: أقوم ولا أنام.

فتورع هؤلاء ليس من هذا الباب، التورع إنما يكون بأدلة الكتاب والسنة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أتقاكم لله وأخشاكم له).

يعني أنه لن يأتي أحدٌ أتقى لله وأخشى من النبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا فمن تورع فيما لم يتورع فيه صلى الله عليه وسلم فكأن لسان حاله يقول: إنه أتقى لله عز وجل وأخشى له من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.