ويقص علينا النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً قصصاً أخرى من مواقف أولئك الصادقين الصابرين، الذين دعوا لدين الله عز وجل، وبذلوا أرواحهم وأنفسهم وأموالهم ومهجهم في سبيل الله عز وجل، إننا نقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قصة شاب آمن بالله ودعا قومه وضحى بنفسه في سبيل الله حتى آمن أهل قرية حين رأوا موقف هذا الشاب وقد جاد بنفسه في سبيل الله، فتنادى الناس جميعاً: آمنا بالله رب الغلام؛ لتنطلق هذه الكلمة سهماً آخر يتجه إلى صدور أولئك الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، بعد أن أحرقهم وقطع أحشاءهم ذاك السهم الذي انطلق من قلب هذا الغلام الصادق الذي ضحى بنفسه في سبيل الله عز وجل، وظن أولئك المفسدون المجرمون أنهم حين يقتلون هذا الغلام أنهم سيقتلون هذه الدعوة التي دعا إليها، وأنهم سيدفنون هذا الدين الذي آمن به ودعا إليه، فإذا بهم يسمعون الناس يتنادون: آمنا بالله رب الغلام، إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قص علينا هذه القصة، أو حين قص علينا قصة نفر آواهم المبيت إلى غار، فدعوا الله عز وجل بصالح أعمالهم، أو حين قص علينا قصة تمثل نموذج الشاكر لنعمة الله عز وجل، ونموذج المعرض عن شكر هذه النعمة في قصة الأعمى والأقرع والأبرص وغيرها من القصص التي تملأ دواوين السنة، إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قص علينا هذه النماذج إنما أراد لها أن تكون قدوة لمن يقرأ هذه الأخبار، لتكون قدوة لمن جاء بعدهم، ويصبح أولئك الماضون دعاة صامتين لدين الله عز وجل.
سابعاً: أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على المؤمنين سيرة ابني آدم بالحق إذ قتل أحدهما أخاه ظلماً وعدواناً، فصار من الدعاة الصامتين للجريمة والقتل، فما من نفس تقتل ظلماً إلا صار على ابن آدم الأول كفل منها، إذ هو أول من سن القتل، كل ذلك تأصيل للقدوة والأسوة الحسنة، ودعوة للدعاة إلى الله على منهاج النبوة أن يترسموا معالمها، وهو أيضاً تأصيل لمبدأ التأثير بالسلوك والعمل، وامتداد لميدان الدعوة والمخاطبة لتتجاوز الكلمة المجردة فتمتد عبر ميدان فسيح لتصبح الكلمة وسيلة من الوسائل وأسلوباً من الأساليب، لا أن تحصر الدعوة في الكلمة وحدها.