للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توجيه النجباء توجيهاً خاطئاً لا يوافق مواهبهم

وأخيراً وهو الأمر الرابع: أن يوجه النجيب توجيهاً خاطئاً، فهو يملك مواهب وطاقات تؤهله لمنزلة معينة ومكانة معينة وقيادة معينة، فنوجهه لما لا يحسن، وقديماً قيل: إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع والإنسان فضله وطاقته فيما يحسن، وإذا تحدث في غير فنه وفي غير ما يحسن -كما يقال- أتى بالعجائب، فنحن عندنا طريق وأحياناً طريق واحد نرى أنه لا بد أن يسلك، فإذا أتانا شخص نجيب يملك قدرات جيدة فإننا نتصور أنه أن يتوجه إلى هذا الطريق.

أتاني مرة أحد الطلبة -وهو يملك قدراً من النبوغ- ليستشيرني حول دراسته في المعهد العلمي فقال: إن أهلي يشيرون عليَّ أن أترك المعهد العلمي وأتوجه إلى الثانوية العامة، قلت: لماذا؟ قال: لأجل أن أكون مثل والدي -وكان والده مهندساً- فقلت له: يا أخي الكريم، أنت تملك قدراً من الذكاء والنبوغ قد يفوق أقرانك، ولكن عندما تتوجه للعلم الشرعي، وتسخر علمك في خدمة دين الله سبحانه وتعالى، فستكون عالماً شرعياً وستملك مكانة أكثر مما يمتلكه أبوك الآن، فأبوك يملك منزلة وشهرة ومكانة اجتماعية، وهي التي لا تسعى إليها أنت، ونحن أحوج منك أن نوجه هذه الطاقات إلى العلم الشرعي؛ لأنا نريد إنساناً مخلصاً يقول كلمة الحق، ونريد إنساناً جريئاً، يضحي بوقته ومع ذلك يحمل العلم الشرعي، حتى يقود الأمة قيادة صحيحة وسليمة.

فأحياناً يتصور أن الشاب الذكي النابغ ما ينبغي أن يتوجه للعلم الشرعي، وإنما ينبغي أن يتوجه للطب أو الهندسة وأنه لو لم يفعل ذلك فإنه يكون من الإهمال للطاقات والإهدار للطاقات.

فنقول: ثم ماذا؟ يتوجه للطب ويكون طبيباً ثم تقتل موهبته ويوضع في مكان آخر ويتولى عليه رجل نصراني وانتهينا، أو يكون مهندساً أو غير ذلك، لأنه حتى لو نبغ في علمه فلن يتاح له المجال الذي ينتج فيه، صحيح نحن لا نقلل من شأن هذه العلوم، ولكننا بحاجة إلى أن ندفع فئات من هؤلاء أصحاب الشجاعة، وأصحاب الجرأة على اتخاذ القرار، وأصحاب العمق في التفكير وأصحاب الذكاء، نحتاج لأن ندفع فئات من هؤلاء للعلم الشرعي حتى يقودوا الأمة، فإنه من غير المعقول أن التخصصات الشرعية لا يتوجه إليها إلا الأغبياء والمغفلون.

هذه بعض الخواطر حول هذا الموضوع، وهو موضوع له أهميته كما قلت، وهذا الموضوع وغيره لا يمكن أن نقتصر فيه على مثل هذه الأحاديث، بل لعل ما أطرحه يكون على الأقل مساهماً في إثارة الاهتمام بهذا الموضوع، وأن يشعر الآباء والمربون والأساتذة أنهم يجب أن يعتنوا بهؤلاء النجباء، وأنهم عندما يعتنون بهم فإنهم يعتنون بالجيل اللاحق ويعتنون بقادة الأمة.

لعلي أقف عند هذا الحد لأجيب على بعض ما ورد من أسئلة الإخوة.