الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد.
فلماذا لا نعمل؟ يُقال: إن عقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء، ونحن أحوج ما نكون في تفكيرنا إلى أن ننظر إلى الأمام دائماً، وهناك قضايا قد استقرت في أذهاننا وأذهان الناس، إعادة مناقشتها وتقريرها والتأكيد عليها أظن أنه رجوع إلى الوراء، اللهم إلا إذا كانت وصايا للتذكير وإعادة الحافز فهذا أمر نراه في كتاب الله سبحانه وتعالى كثيراً.
مشكلة تُطرح كثيراً ونُعاني منها في أوساط جيل الصحوة وشباب الصحوة، ذلكم أن قضية الدعوة إلى الله عز وجل أظن أنها أصبحت قضية مُدركة عند الجميع، فالجميع يدرك وجوب الدعوة إلى الله عز وجل في حقهم، ولا شك أن الدعوة إلى الله عز وجل في حق شباب الصحوة وجيل الصحوة قد غدت فرض عين، وأننا يجب أن نبحث عن الأساليب والوسائل ويجب أن ندعو ونعمل، وهي قضية لا يجادل فيها شخص ولا يناقش، لكن حينما نقارن بين هذه القناعة الموجودة عند الشباب وبين أثرها الواقعي -أي: بين القناعة وبين العمل- سنجد المفارقة، سنجد أن المسافة شاسعة جداً بين أولئك الذين يقتنعون بضرورة الدعوة والعمل والمشاركة، وبين أولئك الذين يعملون، وحتى تدرك صدق هذه الدعوى فانظر إلى أي تجمع في أي مكان، كمدرسة فيها ثمانمائة طالب أو يزيدون ستجد فيها مثلاً عدداً من الشباب المتدينين الذين يشاركونك هذا الشعور، وكل واحد منهم يشعر بأن الدعوة إلى الله عز وجل واجبة عليه، وأنه ينبغي أن يساهم فيها، لكن كم هم الذين يعملون من هؤلاء؟ ولو كان هؤلاء يعملون لرأيت أثرهم واضحاً ظاهراً في هذا التجمع الذي يعيشون فيه.
تجمع مثلاً في حي سكني، لو فتشت فيه عن أولئك الذين يقتنعون تمام الاقتناع ولا يخالجهم أي شك أو تردد في وجوب الدعوة إلى الله عز وجل وضرورة المشاركة والعمل ثم قارنت بين حجم هؤلاء وبين عملهم ونتاجهم لوجدت أن المسافة شاسعة جداً.
من الطبيعي مثلاً أن تجد أناساً لا يعملون وهم يقتنعون، وقد لا تحصل مشكلة كبيرة عندما نجد اثنين أو ثلاثة بهذه الصفة، لكن حينما نجد أن المسافة واسعة إلى هذا الحد نشعر بهذه المشكلة، وأظن أننا جميعاً نشعر بهذه المشكلة، بدليل أننا نتساءل عن ذلك، وأنا أتوقع أنني سأجد اليوم من الأسئلة التي ترد إلي: أني شاب مقتنع بأني في الدعوة لكني لا أعمل، ما هو الحل في نظرك؟ فنحن نتساءل كثيراً، إذاً: نحن مقتنعون تماماً بهذه المشكلة، ويدفعنا شعور بضرورة حل هذه القضية، وبضرورة تحطيم هذه الحواجز التي تحول بيننا وبين العمل، فنتصور أن هذا الحل إنما يتم بإقناع الناس فيه بالدعوة، بإقناع الشباب بأهمية الدعوة، بإقناعهم بوجوب الدعوة إلى الله عز وجل، أنا أظن أن هذا رجوع إلى الوراء في التفكير.
يا أخي هؤلاء مقتنعون تماماً بأن الدعوة إلى الله عز وجل في حقهم قد غدت واجبة، بأن المشاركة في حقهم قضية ينبغي أن لا يناقشوا فيها، لكن لا يعملون؟ إذاً: هناك مشكلة أخرى غير هذه القضية، فيجب أن نفكر لماذا نحن لا نعمل؟ لماذا الناس لا يعملون؟ تذكير الناس بأهمية الدعوة، تذكير الناس بوجوبها، تذكير الناس بالقضايا البدهية المستقرة عندهم أمر لا شك فيه والنفس تحتاج إليه، ولهذا يأتي التكرار كثيراً في القرآن والسنة، لكن حينما نتصور نحن أن مكمن الداء هنا ومكمن المشكلة هنا! فهذا يعني أننا كما قلت نرجع بالتفكير إلى الوراء يا أخي هذه قضية تجاوزناها، ويجب أن نقول للناس إننا تجاوزناها، وأنا أقول بصراحة لمن يحتاج إلى أنه تقنعه بضرورة الدعوة والمشاركة: أنا أقترح أن ندعه جانباً ونتجاوزه، والوقت لا يحتمل، ويجب أن يشعر أنا نقول له: إننا قد اتجهنا إلى الأمام والقضية التي تريد أن نخاطبك فيها قضية قد تجاوزناها نحن، ونحن الآن همنا ومشكلتنا في البحث عن الوسائل، في البحث عن المشكلات، في البحث عن قضية: لماذا هؤلاء لا يعملون؟ أما أن نقنعك بأن هذه قضية مطلوبة! فهذه قد صارت قضية الناس كلهم، ربما من مرحلة سابقة كانت قضية الدعوة والدعاة مصطلحاً للنخبة كما يُقال، يعني: كانت قضية تهم جيل الصحوة، أما الآن فحينما تقول: فلان داعية فهذه كلمة لا تحتاج إلى توضيح، ولا تحتاج إلى شرح عند عامة الناس، عند الجميع، ولم تعد قضية خاصة بجيل الصحوة.
إذاً أقول: إننا ونحن نريد من جيل الصحوة أن يعمل يجب أن نبحث عن مكمن الداء، وما هو أساس هذه المشكلة، وأنا أتصور أنه ليس أساس المشكلة هو أن هؤلاء يحتاجون إلى أن نقنعهم بالدعوة وضرورتها وفضائلها هذه قضية يمكن أن نذكرها من باب التذكير، من باب الحث مثلاً، عندما نشعر أن الهمم قد ضعفت وفترت، وهذا لا بد منه بين آونة وأخرى، أما أن نتصور أن هذه مكمن الداء وهذه المشكلة أنا أظن أنه رجوع بتفكير الناس إلى الوراء.
يجب أن نشعر أن هناك قضايا كثيرة نحن بحاجة أن نتطلع إليها، وأن نتحدث