للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوف من تبعة الأخطاء]

أمر ثالث: الخوف من تبعة الأخطاء: الشخص الأول يخاف أن يفشل والشخص الثاني يخاف من تبعة الأخطاء، يقول: إني أخاف أن أقع في خطأ فأتحمل تبعة هذا الخطأ، فهو مثلاً يخاف أن يتحدث مع الناس ويقول كلمة يزل بها فيأثم، أو يخاف أن ينكر على شخص بطريقة معينة فيتسبب في كرهه للمعروف، وصده عن الخير.

تعالوا مثلاً إلى الناس الذين كانوا في قمة النجاح بعد الأنبياء، وهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد مرت عليهم مواقف وقعوا فيها في أخطاء، ومع ذلك لم تكن عائقاً، مثلاً أسامة رضي الله عنه عندما أراد أن يقتل رجلاً فلاذ منه ثم قال: لا إله إلا الله، ثم قتله، وأتى أسامة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً، قال: أشققت عن قلبه؟) حتى ضاق الأمر على أسامة وقال: (وددت أني أسلمت يومئذ) من ثقل الأمر عليه.

الآن أسامة وقع في خطأ بسبب الجهاد، فهل توقف أسامة عن الجهاد بعد ذلك؟ كلنا نعرف أنه لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد جهّز جيشاً يقوده أسامة مع أنه وقع في الخطأ، لو كان يفكّر بنفس العقلية التي نفكّر فيها كان على الأقل يقول: يا أخي أنا أعيش مع الناس لكن عندما أقود الجيش أي مسئولية كبيرة سأتحملها؟ لكن كان يشعر أن هذا خطأ وقع فيه، وانتهى والله عز وجل يغفره، وفعلاً ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصعدوا المنازل العالية وليرتقوا وهم يفكرون هذه الأفكار، أو يعيشون هذه الأوهام التي نعيشها.

خذ على سبيل المثال أيضاً: سرية أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوا في الشهر الحرام، وأنزل الله عز وجل فيهم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:٢١٧] ومع ذلك ما صدهم هذا ولا عرف أن واحداً من هؤلاء الذين قاتلوا في هذه السرية تخلف عن الجهاد حتى لا يقع في الخطأ نفسه، وهي مواقف كثيرة نراها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نرى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقعون في الخطأ بحكم الطبيعة البشرية؛ ومع ذلك لم يكن هذا الخطأ صاداً لهم عن أمرهم.