وهكذا نقرأ في القرآن الكريم آيات عظيمة كثيرة يواجه فيها المسلمون ويواجه فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعتاب يسمعه المنافقون أعداء الله ورسوله ويسمعه اليهود أهل الكتاب ويسمعه كفار قريش والمشركون الذين يتربصون الدوائر، ويبقى هذا القرآن يتلى إلى قيام الساعة، ومع ذلك كله لم يكن مانعاً من أن يكون أولئك خير القرون، كما قال صلى الله عليه وسلم:(خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
ولم يكن ذلك كله مانعاً من أن يكون أولئك أمنة لهذه الأمة، يقول صلى الله عليه وسلم:(النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).
ولم يكن ذلك مانعاً من أن يكون أولئك كلهم ممن قال الله عز وجل فيهم:{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[النساء:٩٥].
ولم يكن ذلك مانعاً من أن يكون أساس النجاة ومعيار النجاة إلى يوم القيامة هو اقتفاء أثر ذلك الجيل.
أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله! قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
معشر الإخوة الكرام! كان ذلك النقد تواجه به الأمة ويواجه به المجتمع صريحاً واضحاً تحت ضوء الشمس، وفي وضح النهار، وفي آيات تتلى ويقرؤها الجميع، ويسمعها الأعداء والمنافقون وأهل الكتاب والمشركون، كان ذلك النقد ضرورة للتربية ضرورة للبناء ومع ذلك لم يكن هذا النقد كله معوقاً لذلك الجيل ولتلك النخبة أن تصل إلى تلك المنزلة، فما بالنا نريد أبراجاً عاجية! وما بالنا نفرض حول أنفسنا أسواراً من الأسلاك الشائكة! لخوف النقد الذي نتصور أنه يعني الفشل نتصور أنه يعني إثارة الفتنة أنه يعني إثارة القلاقل أنه يعني استثمار الأعداء لهذه الفرص إلى غير ذلك من الأوهام التي نفتعلها لنخادع أنفسنا، ولنمارس نحن حجب الحقائق عن أنفسنا ولنمارس صنع الركام وصنع العشا على أعيننا حتى لا نرى الحقيقة، وخير لنا أن نرى الحقيقة!