للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم الاقتناع بإمكانية التغيير]

من المعوقات عدم الاقتناع بإمكانية التغيير: بعض الناس غير مقتنعين بضرورة التغيير، فدع هؤلاء جانباً، لأن الانشغال بهم من إضاعة الوقت، ومن الانشغال بمفضول عن عمل فاضل، لكن قد تكون مشكلتنا مع إنسان مقتنع أن المجتمعات الإسلامية فيها فساد، بل ربما يكون متشبعاً بهذه القناعة حتى صار عنده يأس من التغيير، وصار يشعر أنه لا يمكن التغيير مطلقاً.

نحن طريقنا طيب يا أخي طريقنا طريق الأنبياء، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي أرسل الله إليهم نبياً، لكن هذه الأمة ليس فيها إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه أن الأمة مؤهلة أن تقوم بدور الدعوة وحمل الرسالة، ولو لم تكن مؤهلة لأرسل الله فيها أنبياء.

فلنأخذ سير الأنبياء، كان يرسل الله نبياً والناس مطبقون على الشرك، وكان يغير الله حالهم به، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم بعث وليس في مكة من يقول لا إله إلا الله، وإنما فيها ستة أو أربعة من الحنفاء كانوا يعتزلون الناس، وبقية الناس في شرك مطلق، فكانت البلاد كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله نظر إلى الناس عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب) فلما جاء صلى الله عليه وسلم غيّر الله به الأمة.

قد تقول لي: إن هذا نبي ورسول مؤيد من الله، فأقول: لما مات النبي صلى الله عليه وسلم كان الإسلام لم يتجاوز الجزيرة، ولما جاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استلموا الأمر وهم على مصيبة كبيرة حصلت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهي الردة، حيث لم يبق إلا المدينة ومكة والطائف ومن حولها، ولو فكّروا هذا التفكير لقالوا: إن الناس أسلموا واهتدوا فكيف يرجعون مرة ثانية؟ لكن جاهدوا حتى أعادوها إلى الإسلام ولم تنقض خلافة أبي بكر حتى كانت الفتوحات قد بدأت تطرق أبواب فارس والروم.

وبلاد العراق وخراسان ومصر والشام كانت مطبقة على الشرك، ومع ذلك وصل عبد الله بن عمر رضي الله عنه إلى أذربيجان فاتحاً، ودفن أبو أيوب عند أسوار القسطنطينية، وهكذا ولو كان هؤلاء يفكرون هذا التفكير لقالوا: هؤلاء الناس لا يعرفون لغة العرب، وليس فيهم مسلم، ومع ذلك كانوا يشعرون أنهم يمكن أن يغيروا، واستطاعوا أن يغيروا.

يا أخي الأمة مر بها حالات كثيرة، كيف كانت هذه البلاد قبل أن يأتي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؟ والله لو كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يفكر بهذه العقلية الذي نفكر بها لما عمل شيئاً.

ويمكن أن أعكس عليك الصورة، فقد كانت مجتمعات المسلمين مجتمعات محافظة وتغيرت نحو الفساد، فما الذي غيرها؟ وأياً كان السبب فكما أنها كانت صالحة وتغيرت نحو الفساد فيمكن أن تكون فاسدة وتتغير نحو الصلاح، والمجتمعات كلها تتغير عندما يكون عندها إرادة فهذه أوروبا اليوم بلاد العلم والتقدم وقد كانت يوماً من الأيام بلاد الظلمات وكان أهلها لا يفقهون شيئاً، بل كانوا في قمة التخلف في كل مجالات الحياة، ثم بدءوا يتعلمون وتغيرت حياتهم.

نحن نعرف أن هذا تغير فيه انحراف، لكن المقصود أن المجتمعات إذا أرادت تستطيع أن تغير ويمكن أن تغير، والله عز وجل أرسل هذه الرسالة الخاتمة، وأرسل هذا الدين وتعبد الناس به لأنهم قادرون أن يغيروا.