من المعوقات الانشغال بالأمور المفضولة: أحياناً يشغل الإنسان نفسه بأمور خيّرة وهي أمور مشروعة، لكنها أمور مفضولة، وقضية التفاضل قضية نسبية بين الناس، وأضرب لكم مثالاً تقيسون عليه: كلكم سمعتم وتسمعون لعدد من العلماء والدعاة والمتحدثين وقرأتم وتقرءون لكثير من المتحدثين وتدينون بالفضل لكثير من هؤلاء، وتعرفون أنكم استفدتم فائدة كبيرة من هؤلاء، أفلا تتصورون أن هذا العالم الذي سمعتم منه أو الكاتب الذي قرأتم له كان يود لو تفرغ للقراءة حتى يستفيد أكثر وهو من أكثر الناس شعوراً بالحاجة للعلم لأن الإنسان كلما ازداد علماً ازداد علماً بحاجته للعلم، وازداد علماً بجهله، فلو كان العالم يفكر هذا التفكير لقال: أنا سأجلس وأتفرغ للتعلم فهذا خير لي.
فنقول: نعم التعلم أمر فاضل، لكن حينما تنشغل بتحصيلك الذاتي عن تعليمك للناس، عن الإفتاء، عن القضاء بين الناس، عن التدريس، عن التأليف فقد انشغلت بمفضول عن فاضل، وهكذا قس على ذلك أموراً كثيرة، فبعض الناس مشتغل بأعمال من أعمال الخير عن هذه القضايا، وعندما تخاطبه يقول لك: أنا منشغل بكذا وكذا! وهذا صحيح لكن -يا أخي- هناك ميادين هي أولى من ذلك! دعني أضرب لك مثالاً افترض شخصاً من الناس تقتدي به الأمة ولو ذهبت إلى أي ميدان من الميادين ستجد اسم هذا الشخص معروفاً وخيره قد عم الجميع، فلو تصورت أنه تفرغ لأن يتتبع أحوال اليتامى وينفق عليهم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) فأيهما أولى وأيهما أفضل بالنسبة لهذا الشخص: أن ينفق على الأيتام أم أن يخرج حتى يعلم الناس فيهتدي الكثير بسبب دعوته؟ إنه لو تفرغ للإنفاق على الأيتام عن الدعوة والتعليم لكان قد انشغل بعمل مفضول عن عمل فاضل.
والقضية قضية نسبية، فقد يكون الأفضل لك أن تنفق على الأيتام، والأفضل لفلان أن يفعل كذا، والأفضل لفلان أن يفعل كذا المقصود أننا يجب أن نفقه مراتب الأعمال، والشيطان من وسائله في إضلال الناس أن يُشغل الإنسان بالعمل المفضول عن العمل الفاضل، فلابد أن نفقه مراتب الأعمال، وألا يتصور كل واحد منا أنه مجرد أن يعمل عملاً مفيداً أن هذا كاف بل يجب أن يفكر: هل هذا هو أفضل عمل يمكن أن يعمله أو لا؟