الأمر الرابع والثمرة الرابعة: الجزاء من جنس العمل: قاعدة شرعية معروفة لسنا بحاجة إلى الاستدلال عليها والتمثيل لها، ولكن شاهدها عندنا هنا أنك لابد أن يكون لك بعد ذلك ذرية وأبناء بمشيئة الله عز وجل، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، ومهما أوتيت من قدرات تربوية، ومهما كان عندك من الحرص والعناية والاهتمام، فإن الأمر يبقى بعد ذلك ليس إليك، التوفيق بيد الله سبحانه وتعالى.
وكم نرى من الأبناء الذين يعتني بهم آباؤهم، ويحرصون عليهم، ويبذلون الغالي والنفيس لحمايتهم، ومع ذلك لا يوفقون، ونرى في المقابل من الآباء المعرضين الغافلين من كان لهم أبناء صالحون، متبعون لأمر الله سبحانه وتعالى.
فلا شك أن التربية لها دور مهم، لا شك أن المناصحة والعناية والاهتمام له دور في صلاح الابن ورعايته، لكن يبقى بعد ذلك توفيق الله سبحانه وتعالى.
فإذا كنت -يا أخي- تحمل هم أبناء الناس، وتسعى إلى إصلاحهم، ويؤرقك هذا الأمر، وتجتهد غاية الاجتهاد في استنقاذ هؤلاء من الضلال والانحراف، فلعل مما يكافئك الله سبحانه وتعالى به، ويجزيك الله عز وجل به، أن يجزيك من جنس عملك، فيصلح لك ذريتك وأولادك، وهي أعلى نعمة يجدها العبد في الحياة الدنيا، ولا تقدر بثمن أبدا {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:٧٤].
إن هذا الأمر يمثل امتداداً لعملك الصالح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
فأقول: نتفاءل ونحسن ظننا بالله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قد أخبر أنه عند حسن ظن عبده به، فحينما نجتهد في استنقاذ هؤلاء من الفساد في دعوتهم، ونبذل في ذلك نفيس أوقاتنا؛ سيقيض الله سبحانه وتعالى بعد ذلك لأبنائنا -ولو بعد وفاتنا- من يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى ويستنقذهم.
وقد تموت أنت وابنك لا يزال في المهد، وابنك لا يزال صغيراً، حينئذٍ من له بعد الله سبحانه وتعالى؟ ولذلك أخبر الله عز وجل في قصة موسى والخضر لما أتيا المدينة واستطعما أهلها قال:{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف:٧٧]، ثم لما سأله عن تأويل ما لم يستطع عليه صبرا؛ أخبره عن هذا الجدار {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}[الكهف:٨٢].
فهذان الغلامان كان أبوهما صالحا، وهما يتيمان قد مات أبوهما ولا شك، فحفظهما الله سبحانه وتعالى في مالهما لصلاح أبيهما، ولا شك أن الذي حفظهما في مالهما يعلم سبحانه وتعالى أنهما أحوج إلى أن يحفظا في دينهما.
أقول: لعلك حينما تجتهد في هذا الأمر أن تجزى هذا الجزاء، أن يحفظ الله لك ذريتك، ويقيض الله لأبنائك وذريتك من ينظر إليهم بتلك النظرة التي تنظر بها إلى الناس، فالجزاء من جنس العمل.