للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تكريم الله للإنسان بالعبودية له تعالى والدعوة إليه]

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد: فإن عنوان درسنا لهذه الليلة ليلة الخميس الموافق للعشرين من شهر رجب عام ١٤١٥ للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم هو (من يحمل الأمانة؟).

وأشكر في بداية هذا اللقاء الإخوة في مركز الدعوة والإرشاد بالدمام على حسن ظنهم بي، وتشريفي بهذا اللقاء والحديث لإخوتي الكرام.

معشر الإخوة الكرام! لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان، كرم الله عز وجل بني آدم، فخلق الله سبحانه وتعالى آدم بيده عز وجل، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها، وخص سبحانه وتعالى بني آدم دون سائر المخلوقات بتكريم ومنزلة ومزايا خاصة لهم دون غيرهم.

لكن أعظم تكريم هو أن الله سبحانه وتعالى حملهم هذا الدين، وجعلهم سبحانه وتعالى عباداً له، فشرفهم عز وجل بالانتساب إليه سبحانه وتعالى، والتعبد له عز وجل، فصار شرف الإنسان وعزه هو حينما يذل بين يدي مولاه، فشرفه في عبوديته لله سبحانه وتعالى، وكماله هو في فقره إلى الله عز وجل، واستغنائه عمن سواه، بل هذا هو الذي خلق بنو آدم من أجله، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، فأعظم تشريف وتكريم لهذا المخلوق أن جعله سبحانه وتعالى عبداً له، وجعله سبحانه وتعالى خاضعاً له.

ومن تمام هذه العبودية وكمالها تشريف آخر، وتعظيم لمنزلة هذا الإنسان دون سائر خلق الله سبحانه وتعالى، وذلك أن الله عز وجل جعله حاملاً لمشعل الهداية ولدعوة الخير إلى الناس جميعاً، فهو الذي يحمل كلام الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يبلغ كلام الله عز وجل ودينه سبحانه وتعالى للناس كافة.

إن الإنسان العابد لله عز وجل، والمتجه له وحده سبحانه وتعالى ذكراً كان أو أثنى، صغيراً كان أو كبيراً، قد شرفه الله سبحانه وتعالى بحمل هذا الدين إلى الناس كافة، وتبليغه لهم، وحين يعرض هذا الإنسان، ويتنكب الطريق يكون بديله إنساناً آخر، فالقضية إنما تدور حول الإنسان ومعشر البشر.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤]، وقال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧].

إذاً: فهذا الدين إنما يقوم به، وينصره، ويذب عن حياضه أولئك الذين تشرفوا بعبودية الله سبحانه وتعالى، والخضوع له عز وجل، فصار سبحانه وتعالى هو أعظم محبوب إليهم، وهو سبحانه وتعالى المعبود الحق، والمعبود الواحد لهؤلاء جميعاً، وصار البشر -مهما علت منزلتهم وشأنهم- لا يساوون شيئاً عند هذا العابد لله سبحانه وتعالى، وأنى له أن يرجوهم ويتطلع إلى ما عندهم، وترمق عينه ذات اليمين وذات الشمال، وقد اختار العبودية لله سبحانه وتعالى؟! بالله عليكم -أيها الإخوة، وأيتها الأخوات- أي تشريف ورفع لمنزلة الإنسان أسمى من أن يكون داعياً للناس إلى عبودية الله عز وجل، وتوحيد الله عز وجل، وأن يخلعوا عنهم كل توجه لغير الله سبحانه وتعالى، وأن يدعو الناس بلسان حاله، وأن يدعو الناس بلسان مقاله، وأن يوظف وقته وجهده لتحقيق هذه الغاية، وأداء هذه الرسالة، وحين لا يستجيب الناس يشهر سلاحه مجاهداً في سبيل الله سبحانه وتعالى، قد هانت عليه نفسه في سبيل الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٣]، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:٣٩].

فهل يعدل هذه المنزلة منزلة أخرى؟! وهل يعدل هذا الشرف شرف آخر؟!