الأسلوب الرابع: الاستسلام للأمر والواقع: يقول لك هذا الواقع فماذا تصنع؟ ويعطيك بعض الأمثال العامية التي كثيراً ما نسمعها، والتي هي رد لأمر لله ورسوله، مثل قولهم: هل تريد أن تسد السيل بعباءتك؟ كما يقول المثل العامي، أو هل أنت وكيل آدم على ذريته؟ أو غيرها من العبارات التي غاية ما فيها أنها مخالفة لأمر الله ورسوله.
أنا ما أريد أن أسد السيل بعباءتي، ولست وكيلاً على الناس، لكن أنا مكلف شرعاً أن أُنكر أي منكر أراه، مكلف أن أساهم في رفع هذه الغربة عن الأمة.
فتتحدث عن منكر أو فساد، أو عن قضية معينة يقول لك: هذا الواقع، وماذا نصنع؟ ونحن في آخر الزمان، وإلى آخره، ويسرد لك من مآسي الواقع ما يشعرك بأن الرجل قد أصابه اليأس والإحباط ويرى أن هذا الواقع قد أصبح يفرض نفسه.
ونحن نقول: من الذي صنع هذا الواقع؟ ألم تكن مجتمعات المسلمين قبل وقت قريب وقبل قرون قريبة مجتمعات محافظة تحكم بشرع الله سبحانه وتعالى؟ فما الذي غير الواقع؟ أليس الذي غيره هم الناس؟ فالناس الذين غيّروا الواقع أظن أنهم قادرون، بل هم أقدر على أن يغيروه للأصلح، فإهمال الناس وتخليهم عن دين الله لم يكن كله مقصوداً، أعني أن كل هؤلاء الذين ساهموا بصورة مباشرة أو غير مباشرة ما كان مقصودهم تدمير الأمة، فإن الذين يسعون في تدمير الأمة قلة إذا نسبتهم إلى حجم الأمة، لكن بقية الأمة شاركت في هذا الواقع بصورة غير مباشرة بالتخلي، فعندما تهب الأمة لتغيير الواقع فالذي جعلها تغير الواقع من حسن إلى سيئ يجعلها قادرة وبصورة أكثر على أن تغيره من سيئ إلى حسن، ولماذا لا يتغير هذا الواقع؟ ولماذا لا تتبدل الصورة؟ ما الذي يمنع؟ الآن لو جاء وبعث أحد الذين ماتوا في الجيل الذي سبقنا لدهش مما رآه الآن من الفساد الموجود في المجتمع الذي لم يكن يألفه، هذا التغير السريع يمكن أن يحصل بنصف الوقت الذي حصل فيه بدون مبالغة؛ لأن الناس هم الناس، وهم الذين غيّروا الواقع، ولكن عندما يسعون للتغير الأصلح فعندهم دافع قوي، وعندهم قبل ذلك كله تأييد الله سبحانه وتعالى وإعانة الله عز وجل وتوفيقه، وعندهم رصيد الفطرة الموجود الذي جعلهم يوقنون أن هذا الفساد سيوصلهم إلى طريق مسدود.