للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطمع والتسفل]

صورة أخرى أيضاً تراها من واقع المسلمين مما يحكي تخلفهم كثيراً ما تشاهد هناك في مواقف الحج وقد ازدحموا وأصبح بعضهم يدفع البعض، ولا تكتشف مبرراً لذلك إلا حين ترى من يوزع على الناس زجاجات الماء، أو علب المرطبات، وترى الناس يزدحمون على هذا الذي يوزع بالمجان، ولو أخذت حجارة من أحد جبال مكة ووقفت وأعلنت للحجاج: سبيل لله لازدحم الناس عليك! يحق للإنسان ولا شك أن يأخذ، وهذا ما وزّع إلا ليؤخذ، ولكن أليس في هذا دليل على أن هذه الأمة أصبحت يدها سُفلى، أصبح المسلمون دائماً يستفلون، لا يعملون، لا يبادرون إنهم على أتم الاستعداد أن يأخذوا، أن يزدحموا، على أن يأخذوا أي شيئاً يوزَّع، ربما تراه أمياً لا يقرأ ولا يكتب، قد يأخذ كتاباً بأي لغة لا يفهمها وتراه يزاحم لأجل أن يأخذ كوباً من الماء، أو يأخذ علبة من المرطبات، ثم مع ذلك لا يراعي مشاعر إخوانه فهو يأخذ كمية كبيرة على حساب ما يحتاج إليه الناس.

لقد رأيت مرة سائلاً عند المسجد النبوي، ورأى رجلاً قد مر معه زجاجة فأوقفه وقال: هذا من ماء زمزم؟ يريد أن يعطيه إياه، لقد بلغ به الكسل واستجداء الناس إلى أن يتكلف أن يخطو خطوات والماء قريب منه حتى يأخذ من الماء، فهو ينظر إلى المارين فإذا رأى رجلاً ماراً سأله أن يعطيه من هذا الماء الذي معه، أهذه هي العمرة؟ بل إننا نعاني من اليد السفلى حتى عند الصالحين والأخيار، وإليك المثال إنك تجد الكثير من الشباب على أتم الاستعداد أن يستفيد وأن يحضر الدروس والمحاضرات، وهو لا شك أمر طيب ومطلوب لكن أن يقرأ هو، أن يحصّل هو، أن يبذل هو! هذا أمر صعب، إنك لا تتهمه بعدم الحرص، فما الذي يأتي بهذه الجموع إلا الحرص، والرغبة ولا شك، لكن أين هذا الحرص، لِم لم يدفعه إلى القراءة، إلى الاطّلاع، إلى البذل؟ أليس هذا دليلاً على أنا تعودنا على اليد السفلى؟ واليد العليا خير من اليد السفلى.

إن المسلمين بحاجة إلى أن يربوا في أنفسهم هذه المعاني، فتكون أيديهم عليا فيكونون هم المعطين وليسوا هم الآخذين، يكونون هم المنفقين يبذلون لأنفسهم، يعملون في كل أحوالهم ولا ينتظرون الناس ويستجدونهم، بل حتى نحن نمارس اليد السفلى أيضاً في دعوتنا فنحن حين نسلك أسلوباً من أساليب الدعوة ننتظر أن يُقدم إلينا جاهزاً، وبعبارة أخرى: نتسول في أساليب الدعوة، فلا نملك الاستعداد أن نفكر أو نبتكر أو نبذل جهداً في اكتشاف هذه الطريقة أو تلك، حتى الكسل واليد السفلى قد سيطرت علينا في حياتنا الدعوية وفي حياتنا العلمية إن المسلم ما أجدره أن ينظر دائماً إلى الأعلى، وأن يكون هو الأعلى دائماً، وأن لا يكون هو الآخر.