للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعميم الصور المثالية]

عامل آخر: تعميم الصور المثالية: إذا تحدثنا -أيها الإخوة- عن قيام الليل أوردنا صوراً مثالية من سير السلف لم يصل إليها إلا آحاد منهم، إذا تحدثنا في الورع أوردنا أقوالاً ونماذج من هؤلاء، إذا تحدثنا في الاجتهاد في طلب العلم أوردنا نماذج من هؤلاء، إذا تحدثنا في الدعوة في الجهاد في أي ميدان أوردنا نماذج من هؤلاء، ولست أعترض أبداً على الاستشهاد بهذه المواقف ولا على هذه الأقوال، لكن المشكلة أن كثيراً من هذه الأقوال شاذة إنما لم تكن طبيعية، لم تكن صفة لكل الناس في ذلك المجتمع.

فحينما نعمم هذه النماذج ونحاكم الناس إليها؛ حينما أحدثكم عن عبادة الحسن البصري رحمه الله، أو أحدثكم عن جهاد ابن المبارك، أو أحدثكم عن دأب الإمام أحمد في طلبه للعلم، وأقول: حاكموا أنفسكم إلى هذا النموذج، أعتقد أنها صورة خاطئة وغير صحيحة، نعم نحن بحاجة إلى أن نبرز القدوات والنماذج، لكن هذا شيء وأن نحاكم الناس إلى هذا النموذج شيء آخر، فمراتب الخير تتفاوت، الرسول صلى الله عليه وسلم يأتيه أعرابي فيقول: (ماذا فرض الله علي؟ قال: خمس صلوات، قال: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع، وصوم رمضان، هل علي غيره؟ لا، إلا أن تطوع.

وحج البيت قال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق).

وفي موقف آخر يبايع النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً، فهذا نموذج وذاك نموذج، ينبغي أن نبرز الصور المشرقة من سير السلف ونماذجهم والقدوات، لكن أيضاً لا نحاكم الناس إليها، ولا نعمم هذه النماذج.

ما الذي يحصل -أيها الإخوة والأخوات- حينما يأتي الشاب فيقرأ هذه النماذج ويقارن نفسه بها، فيقول: أين أنا من عبادة فلان مثلاً، أين أنا من اجتهاد فلان، أين أنا إذاً أنا لست شيئاً، النتيجة أنا غير مؤهل أن أغيره.

حينئذ يتكرس هذا الإحباط عند الأفراد وعند هذا الجيل، فيخرج لنا جيل فاقد للثقة بنفسه، جيل يشعر أنه غير مؤهل للإنتاج.

نحن لا نريد اليوم أن نخلق الغرور عند الجيل ونقول: إنكم ستدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، لكننا أيضاً ينبغي أن نتوازن، وفرق بين أن نورد النماذج المتميزة ليقتدي بها الناس، وبين أن نحاكمهم إليها.