الجانب الخامس: -وهو مهم ومرتبط بما قلناه-: لا تنتظر ثمرة إحسانك: عندما تقدم إحساناً لهؤلاء من حسن خلق، أو عفو، أو صفح أو غير ذلك؛ لا تنتظر ثمناً لذلك، بل ليس من الضرورة أن تربطه بالنصيحة، يعني: عندما آتي -مثلاً- وأجد شاباً عليه آثار انحراف، وأجده قد تعطل في الطريق وأقف له وأعينه، ليس بالضرورة أن أوجه له النصيحة، فعندما يجد مني أني عندما أقدم له خدمة لابد أن أقابلها بالنصيحة قد يشعر بأن هذا ثمن للنصيحة، وإن كان في الواقع لن يتضايق من النصيحة، لكن يجب أن يشعر بأني أتخلق بحسن خلقي لذاتي؛ لأن هذا حسن خلق أمرنا به الإسلام، وهذا خلق نبينا صلى الله عليه وسلم الذي وصفه الله عز وجل فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:٤]، الذي ما رئي أحسن منه صلى الله عليه وسلم خلقاً، الذي يقول عنه حسان رضي الله عنه: وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء خلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هم الرحماء وإذا غضبت فإنما هي غضبة لله لا حقد ولا شحناء هذه هي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وما عرفت الدنيا أبر وأطهر وأحسن خلقاً منه صلى الله عليه وسلم بآبائنا هو وأمهاتنا.
فأقول: يجب أن يعرف الناس عنك أنك تتخلق بحسن الخلق لا لأجل أنك تكسب الناس فقط، بل تتخلق بحسن الخلق؛ لأنك تعلم أن هذا هدي نبيك صلى الله عليه وسلم، ولأنك تعلم أن حسن الخلق يبلغ به العبد ما لا يبلغ الصائم القائم، ولأنك تعلم أن أقرب الناس وأحبهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه مجلساً يوم القيامة وأحبهم إليه أحاسنهم أخلاقا، ولأنك تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زعيم لك ببيت في أعلى الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم:(أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
أقصد من ذلك كله أنه مع هذه الآثار التي تحصل لحسن الخلق من محبة الناس، وهي آثار تجدها في الدنيا قبل أن تجدها في الآخرة، ومع هذه الآثار وهذه النتائج التي تجدها في دعوتك لا يكون همك في حسن الخلق هو هذه الآثار والنتائج فقط، لا، بل أنت تتعبد لله بحسن الخلق الذي طبع عليه نبيك صلى الله عليه وسلم، وأمرك به، ورتب على ذلك الأجر العظيم، بل النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الإنسان بأن يعود نفسه فيقول:(إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه).