للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حفظ العرض]

الجانب الثاني الذي يتعلق بالأستاذ والحق عليه: حفظ العرض: كثيراً ما يدور في مجالس الطلاب الحديث عن الأستاذ، إما سخرية بطريقته في الحديث، وفي إيصال المعلومات، وفي التعامل مع الطلاب، فأنت تجد الطلاب يحترفون في هذه الأمور، فأحدهم مثلاً يقلد صوت الأستاذ، والآخر يقلد حركات الأستاذ، ويقلد مواقف الأستاذ، وهكذا تجد الأستاذ يبقى مجالاً للسخرية، وهذه قضية أظن أنكم توافقونني على أنها تحمل قدراً من البشاعة، فأنا على كل حال لا أقول هذا الكلام باعتبار أني أستاذ، لكن أظن أنكم توافقوني جميعاً على هذا الأمر.

وهذه قضية فيها من سوء الأدب إلى آخر حد، فالمسلم منهي عن السخرية، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات:١١]، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:١٢].

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه).

فهذه حقيقة السخرية، وهذه حقيقة الغيبة، وهي أن تقع في أي إنسان، فما بالك بالطالب الذي يسخر من أستاذه وشيخه الذي يتعلم منه العلم والأدب والخلق، أو يغتابه، فهذه قضية تزيد سوءاً، ولا شك أنه يوجد فرق بين أن تقع الغيبة لإنسان عادي، وأن تقع لإنسان صالح، وأن تقع لإنسان له حق عليك.

فأعطيك مثالاً يقرب لك الصورة: السخرية من الناس أمر مذموم، سواء من هو أكبر منك ومن هو أصغر منك، فعندما تسخر من إنسان فبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، لكن عندما تسخر من إنسان أكبر منك تزيد القضية سوءاً، وعندما تسخر من إنسان قريب لك كعمك أو خالك تكون القضية أسوأ، وعندما تسخر من والدك فذلك أشد، فالذنب يختلف عظمه وقبحه عند الناس، والدين إنما جاء بما يوافق الفطرة السليمة والمستقيمة.

فأقول: من المستهجن أن يسخر الطالب من أستاذه، أو يقع في عرض أستاذه.

الشباب الأخيار عادة لا يتصور منهم هذا الشيء، وإن حصل فهي حالات شاذة ونادرة، لكن القضية التي أتصور أنها من حق الأستاذ عليك أن تحفظ عرضه، فعندما يسخر من الأستاذ أو يغتاب تدافع عن عرضه بأسلوب مناسب وحكمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ذب عن عرض أخيه ذب الله عن وجهه النار يوم القيامة)، هذا إذا كان عرض أخيك، فعرض أستاذك وشيخك الذي له حق عليك أولى.

ثم أحذر من قضية يسلكها بعض الشباب بحسن نية، فهو يحب الأستاذ إلى آخر حد من المحبة والإعجاب والتقدير لسبب أو لآخر، وعندما يسمع طالباً يسخر منه أو يغتابه يأتي ويبلغ هذا الأستاذ من باب المحبة، وهذا لا يجوز إطلاقاً، لأنك الآن تقع في معصية أخرى وهي النميمة.

فلا تبلغ الأستاذ مهما كان، وافترض أنك نهيت أخاك وما انتهى، فلا يوجد داعي لنقل الكلام الذي لا مصلحة فيه، بل واجبك أن تنهى من يغتاب أو من يسخر، وإذا لم يستجب فأمره إلى الله.