الصفة التاسعة التي ينبغي أن تكون لدى المربي: القدرة على النمو والاستمرار: إن بعض الناس قد يملك قدراً من العلم والثقافة والقدرات، لكنه يقف عند حد معين، وإذا كان ما يملكه من علم وفكر وقدرة وخبرات يقف عند هذا الحد؛ فإنه سيشعر بعد مرحلة بأن تلامذته ومن يتربون عليه قد تجاوزوه، وقد أدركوا ما عنده، ويتطلعون إلى ما وراء ذلك، وحينئذٍ يفتقدون الثقة به، ويشعرون أنه قد استنفذ ما لديه، واستهلك ما عنده.
إن الأحداث تتجدد، والظروف تتغير، فالأب الذي عاش في عصر سابق حينما يتعامل مع أبنائه الذين هم نتاج عصر آخر يختلف عن عصره بالكلية، وتختلف فيه أفكار الناس واهتماماتهم وعقلياتهم، حينما يأتي هذا الأب وثقافته وعقليته وعلمه لا تعدو أن تكون امتداداً للعصر السابق الذي عاشه؛ فإنه لن يستطيع أن يقدم لهذا الابن ما يحتاجه.
ولهذا ندرك فشل كثير من الآباء الخيرين الغيورين في تربية أبنائهم؛ لأنه قد توقف الأب عند عصر معين ومرحلة معينة، فقد تربى هذا الأب في بيئة وعاش في ظل وسط محدود، يوم كان يعيش في قرية محدودة حين يقول من في أقصاها كلمة يسمع من في أدناها هذه الكلمة، ومظاهر المدنية والحضارة بعيدة عنه، حيث كان الناس وقتها يعيشون في الأرياف، ويعيشون في مزارعهم، ويعيشون في أعمالهم، وفي همومهم الخاصة، بعيداً عن ضجيج وصخب المدينة، وبعيداً عن هذه المؤثرات، أما اليوم فقد أصبح الجيل أمام عالم آخر يختلف تماماً عن ذاك الجيل.
فحينما يأتي الأب ليربي ابنه بالنمط نفسه الذي تربى به، وحين يقال له: إن هذا الأسلوب لا يجدي، فيقول: هكذا تربينا، وهكذا عشنا، حينها لا تثمر تربيته.
نعم قد تكون تربيتك سليمة، وما تربيت عليه سليماً، والأسلوب الذي تلقيته كان ناجحاً، لكنه كان كذلك في وقت من الأوقات، أما هذا الوقت فله ظروف أخرى، وله حالة أخرى.
ولهذا كان الأب بحاجة إلى أن يتجاوز هذه الفجوة الحضارية، وإلا فسيشعر أنه يعيش في مأزق مع أولاده، وقل مثل ذلك حتى مع من هم دونه.
إن المعلم والمربي الذي تربى على نمط معين وعلى طريقة معينة، لا يسوغ له أبداً أن يتصور أن هذا النمط وهذا الأسلوب هو الأسلوب الناجح والمناسب لتربية الناس كلهم، فالعصر قد تغير، والظروف قد تغيرت، والعوامل قد تغيرت.
إن هذا التغير السريع المذهل الذي نراه اليوم يؤكد على ضرورة أن يكون المربي قابلاً للنمو، وقادراً على النمو، وأن يملك القابلية والقدرة، وأن يسعى دائماً إلى تطوير نفسه والمتابعة، وإلا فسيشعر بأن هذا الجيل قد تجاوزه، وسيشعر بأن هذا الجيل قد أدرك أن هذا الرجل الذي أمامه لم يعد يملك ما يقدمه لهم.